للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أبيه، فباشَرَهَا مُدَّةً طويلةً بالعِفَّةِ والدِّيانَة والصِّيانَة، فوَقَعت بَيْنَ أُمَرَائها فِتَنٌ، فَرَحَل عنها إلى بَلَد الزُّبَيْر، وتولى قَضَاءها إلى أن مات سنة خمسٍ وثمانين ومئتَين وأَلْف، وحَجَّ سنةَ سَبْعٍ وخمسين ومِئَتَيْن وأَلْف، فاجْتَمعْتُ به في مَكَّة وسألْتُه، واستَفَدْتُ منه، وأجَازَني، وكان رجلًا صالحًا، ساكنًا وقَوُرًا، وأظُنُّه قارب التسعين. انتهى.

٢٨٦٢ - (ت ١٢٨٥ هـ): عَبْد الجَبَّار بن علي البَصْريُّ الحنبليُّ.

ذكره صاحِبُ "السُّحُب الوابلة" (١)، وقال: هو الشَّيْخ الصَّالح، العَالِمُ العَامِل، والمُرْشد الكَامل، القانِتُ العَابِدُ، الوَرعُ الزَّاهِد النَّاسِك. وُلِدَ في جنُوبي البَصْرة في حُدُود سَنَةِ خَمْسٍ ومئتَيْن وأَلْف، ونَشَأ عامِّيًّا فقيرًا، كان هو وأبُوه يَعْمَلَان في بُسْتانٍ للشَّيخ إبراهيم بن جَدِيْد، فَصَار المُتَرْجَم يأتي للشَّيخِ بِبَعْض ثِمَار البُسْتان، وقَدْ بَلَغَ أو كاد، فرغَّبَهُ الشَّيخ إبراهيم في قِراءة القُرْآن وطَلَبِ العِلْمِ، وأن يَكُونَ عَنْدَهُ ويَقُومَ بكِفَايتِهِ، وأرْسَل إلى وَالِده بذلك، فَفَرِحَ وجَلَس المُتَرْجم عِنْد الشَّيخ المَذْكور في بَلْدِة سَيِّدنا الزُّبَيْر، وشَرَعَ يَقْرأ القُرآن، فَحَفِظَهُ في أسْرع وَقْت، وقَرَأه بالتَّجْويد، ثم شَرَع في طَلَب العِلْم، فَقَرأ على الشَّيْخ المَذْكُور في الفِقْه والفرائض والعَرَبيَّة، مع حُضُورِ دُرُوسه العَامَّةِ في التَّفْسير والحَدِيْث والوَعْظ، وعَكَف على التَعَلُّم لَيْلًا ونَهَارًا، لَمْ يَشتَغل بِغَيْرِهِ ولا يجتمع بِأَحَد إلا في حَال الدَّرْسِ والمُطَالَعَة، وكان شيخُه مُلْتَفِتًا إلَيْه الْتِفاتًا كُلِّيًا، مُراعِيًا له في جميع أمُوره، حتى كأنَّه وَلَدُه لصُلْبِهِ بلا فَرْقٍ، فَحصَّل خَيْرًا كثيرًا، مع حُسْن الاسْتِقَامة والاجْتِهاد في أنواع العِبَاداتِ، وكَرِمِ النَّفْس، وحُسْن الخُلُق، والإِعْراض عن الدُّنْيا، ولازم شَيْخَهُ إلى أن قَرُبَتْ وَفَاتُه، فأَجازه ودَعَا له، وأوْصى له بشيءٍ من مَالِهِ وكُتُبه، وأوْصَاه أنَّه هو الذي يغسله، وأَنَّه بَعْد وَفَاتِهِ يَرْحَلُ إلى الشَّام لتَكْمِيل طَلَبِ العِلْم، فلمَّا تُوُفِّي شَيْخُه سنةَ اثنَتَيْن وثَلَاثِين ومئتين وألف، ارْتَحل إلى الشَّام، وسَكن في المَدْرَسةِ المُرَادِيَّة سِنيْن عَدِيْدةً للاشْتِغَال بالعِلْم، متفرِّغًا له التَّفَرُّغ التَّامَّ، وقرأ على مشايخ دِمَشْق، وأجَلُّهم الشَّيخ مُصْطَفَى


(١) السحب الوابلة: ٢/ ٤٤٣ - ٤٥١.