ودخل إليه بعض أهل الحديث فقال له رجل منهم: ما هذا الغم يا أبا عبد الله؟ الإِسلام حنيفية سمحة، بيت واسع، فنظر إليهم وكان مضطجعًا، فلما خرجوا قال للمروذي: انظر إلى هؤلاء ما أريد أن يدخل عليَّ منهم أحد.
وقال أحمد يومًا لإِسحاق بن هانئ: بَكِّر حتى تعارضني في شيء من الزهد. قال: فبكرت إليه وقلت لأم ولده أعطيني حصيرًا ومخدة فبسطته في الأرض، فخرج أحمد ومعه الكتب والمحبرة، فنظر إلى الحصير والمخدة، فقال: ما هذا؟ قلت: لتجلس عليه، فقال: ارفعه، الزهد لا يحسن إلا بالزهد، فرفعته وجلس على التراب.
وقالت له أم ولده: أنا معك في ضيق، ومنزل صالح يأكلون ويفعلون، فقال لها: قولي خيرًا، فخرج الصبي يبكي، فقال له أحمد: أي شيء تريد؟ قال: زبيب، فأخذ له من البقال بحبة.
ومس أحمد رجلي ابنه عبد الله فإذا هما لينتان، فقال: ما هذه الرجلان، لم لا تمشي حافيًا حتى تصير رِجلاك خشنتين؟.
وكان يقول: طعام دون طعام ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل.
وكان يقول: أَسَرُّ أيامي يومَ أُصبح وليس عندي شيء.
[وأما بيته وآلاته ومطعمه]
فقال علي بن المديني: دخلت بيت أحمد فما شبهته إلا بما وصف من بيت سُويد بن غَفَلة من زهده وتواضعه.
وقال الميموني: كان منزله ضيقًا صغيرًا، وكان ينام في الحرِّ في أسفله، ورأيت موضع مضجعه، وفيه شاذَكونةٌ وبَرْذَعَةٌ، قد غلب عليها الوسخ.
وكان يقول للمجصص: جصصه باليد ولا تجصصه بالمالج. قال المجصص: فلما فرشته بالطوابيق وفرغت استحسنه، وقال: هذا نظيف يصلي عليه الرجل، وليس فيه باريَّة ولا حصير، ورفع إليّ كف تمر.