[(ذكر حبه للفقر والفقراء، وتواضعه، وإجابته الدعوة، وخروجه لرؤية المنكر وإيثاره للعزلة والوحدة وخمول الذكر، واجتهاده في ستر الحال وغلبة الفكر والهم على قلبه، وتعبده وخوفه من الله)]
[أما حبه للفقر والفقراء]
فكان يحب الفقراء، ولم يكن الفقراء في مجلس أعز منهم في مجلسه، وكان إذا ذكر له مريض فقير أرسل إليه شيئًا يُشتهى ويعمل له، ويدفع الطيب فيطيَّب به، وكان يقول: ما أعدل بالفقر شيئًا، أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء.
وذكر له رجل صبور على الفقر في أطمار فكان يسأل عنه فيقول: سبحان الله، الصبر على الفقر، ما أعدل بالصبر على الفقر شيئًا، تدرون الصبر على الفقر أي شيء هو؟ كم بين من يعطى من الدنيا ليفتتن إلى آخر تُزوى عنه.
وذُكر له فتح الموصلي وصبره على الفقر فتغرغرت عيناه وقال: رحمه الله، عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة.
[أما تواضعه]
فقال له رجل: يا أبا عبد الله أكتب من محبرتك؟ فقال: لم يبلغ ورعي ورعك هذا. وتبسم.
وقال يحيى بن معين: صحبته خمسين سنة فما افتخر علينا بشيء مما كان فيه من الصلاح والخير.
وكان ربما أخذ القدوم وخرج إلى دار السكان يعمل الشيء بيده، وربما خرج إلى البقال فيشتري الجرزة الحطب والشيء فيحمله بيده.
وجعل عند عارم بن الفضل صرة فيها دراهم فكان يجيء فيأخذ منها، فقال له: