مُفَوَّضًا نَحْو ثلاث سَنَواتٍ، ثم رأى أنْ ينقَطِع للعِبَادة، وإكمال كتاب شَرَع في تأليْفه أيَّام كان بِدِمَشْق، فاسْتَقَال، وقال لي بَعْد قَبُوْل استقالته: كنت بالأمس وزيْرًا، وأنا اليَوْم بَعْد التَّحرير من قُيُود الوَظِيْفة سُلْطانٌ، وأخْبَرني أَنَّ أوَّل رِحْلةٍ لَهُ إلى مِصْر كانت في السنة الثَّانِيَة بعْد ثَوْرة عرابي، ومعنى هذا أنَّه كان تاجرًا سنةَ ثلاث مئة وألْفٍ، أمَّا كتابه فسَمَّاه "البَيَان والإشْهَار لكَشْف زَيْغ المُلْحِدِ الحَاجِّ مُخْتار"، طُبِعَ ونُشِر بَعْد وَفَاته في مُجَلَّد يَرُدُّ به على مَطَاعنَ وَجَّهَها مُخْتار بن أحمد المُؤَيِّد العَظْميُّ إلى حَنَابلة نجْد في كِتابه "جَلَاء الأوْهام عن مَذَاهب الأئمة العِظام"، طُبعَ، قال الشَّيْخ فَوْزَان في مُقَدِّمة الرَّدِّ عَلَيْه: كان حَقُّه أن يُسَمَّى حالك الظَّلام بالإفْتِراء على أئمة الإسْلام.
وكان رحمه الله من الصِّدْق والتُّقَى والدَّعَة، وحُسْن التَّبَصُّر في الأُمُور، والتَّفَهُّم لها على جانبٍ عَظِيْم، وضَعُفَ سَمْعُه في أعْوامه الأخِيْرة، إلَّا أَنَّه ظَلَّ مُحْتَفِظًا بنَشَاطه الجِسْمِيِّ، وقُوَّة ذاكِرَته، ودِقَّة مُلاحَظَتِهِ إلى أن تُوُفِّي بالقَاهِرِة، سنةَ ثلاثٍ وسَبْعِيْن وثلاث مئةٍ وألْفٍ، وهو في نحو المئة، ويُقَال: تَجَاوَزَها. انتهى.
قلت: كان صَدِيقًا لي رَحِمه الله، واجتمعتُ به في بُرَيْدَةِ القَصيْم، وفي مَكَّة المُكَرَّمة كَثِيْرًا، وأخْبَرني أنَّ وِلَادَتُه سَنَة ثمان وسِتَّيْن ومئتَيْن وأَلْفٍ، رحمه الله.
٣٠٣٨ - (ت ١٣٧٤ هـ): عَبْد الله بن عَبْد الوَهَّاب بن عُثْمان بن محمد بن عَبْد الوَهَّاب بن محمَّد بن سُلْطَان بن حَسَنٍ بن زَاحِم.
ذكره الشَّيخ سُلَيْمان بن حَمْدان فيما قرأته بخَطِّه فقال: هو شَيْخُنا العَالم الفَاضِل الفَقِيْه النَّبِيْه الفَرَضيُّ، يَتصل نَسَبُه بالمرازيق من قَبِيْلة بَنِي محمَّد من البقوم، أهْل تَرَبَة، فانتَقَل جَدُّهم زَاحِم إلى الوَشم واسْتَوْطَنَها في البَلْدَة المَعْرُوفة بالقصب، وبَيْتُهم مَعْرُوف فيها بآل زَاحِم. وُلِد المُتَرْجَم على رأس الثلاث مئة بَعْد الألْف، ونَشأ على يَدِ والده، فرَبَّاه وأدَّبه، وقرأ القرآن في بَلَده حتَّى أتْقَنَه حفظًا، ثم رَحل إلى الرِّيَاض في طَلَب العِلْم سنةَ إحدى وعشرين وثلاث مئةٍ وألْفٍ، وكانت إذ ذاك آهِلَةً بالعُلَماء الأعلام، فقرأ على الشَّيْخ عَبْد الله بن عَبْد اللَّطيف ثلاثة الأُصُول، و"كتاب التَّوحيد"، وعلى الشَّيخ حَسَن بن حُسَيْن