في "كَشْف الشُّبُهات" وغيره، وعلى الشَّيخ حَمَد بن فَارِس في "الآجُرُّوميَّة"، و"مُلْحَة الإعراب"، وعلى كُل من الشَّيْخ محمَّد بن محمود، والشَّيْخ عَبْد اللهِ بن رَاشِد في الفَرَائِض، وقِسِمَة التَّرِكَات، وأخذ عن غَيرِهم، كالشَّيْخ إبراهيم بن عَبد اللَّطِيْف وغيرِهِ، وأقام في رِحْلَته تِلْك سَنَتَيْن قَضَاها كُلَّها في التَّعَلُّم والاشتِغال بالطَّلَب، وحَفِظَ "مُختَصَر المُقْنِع"، و"بُلُوغ المَرَامِ"، وأكثر "عُمْدة الحديث"، ثم عاد إلى وَطَنِهِ، ولا زال مغْرَمًا بالبَحْث والمُطَالَعة، ثم إنَّه في سَنَة أربعٍ وعشرين وثلاث مئةٍ وأَلْفِ صَحِبَ شَيْخَنا العَلَّامة عَبْد الله بن عَبْد العَزيز العنقريَّ بَعْد أن ولي القَضَاء في بُلْدان سُدَيْر، ولازَمَه مُلازمَةً تامَّةً، وتولى كِتَابتَهُ الخَاصَّة مُدَّةً لا تَقِل عن ثلاثَ عَشْرةَ سنةً، وقرأ عَلَيْه في فُنُون عَدِيْدةٍ عدَّةَ كُتُبٍ، وتَخَصَّصَ عَلَيْه في الفِقْه والعَقَائد الدِّيْنيَّة، حتَّى بَرَع وفَاق عِلْمًا وذكَاءً وأدَبًا، ورِزِق القَبُولَ والمَوَدَّةِ لِمَا جُبل عَلَيْه من البشْر ومَحَاسن الأخْلَاق، وكان شَيْخُنا عَبْد الله بن عَبْد العَزِيز العنقَريُّ ألزمه بالجُلُوس للطَّلَبَة بَعْد صَلاةَ الصُّبْح، وبَعْد صَلاة الْمَغرِب، في الفَرَائض والنَّحْو، لِمَا رأى فيه من الأهْليَّة لذلك، فكُنْتُ أحْضر عَلَيْه من جُمْلة الطَّلَبَة، وكان يُقَرِّر على الدَّرْس أحْسَن تَقْريرٍ، ويُفْهم أحْسَن تَفْهِيْم فانْتَفَعْنا به انْتِفاعًا جَمًّا، ثم إنَّه بَعْد أن قَضَى ثلاث عشرة سنةً ملازمًا لشَيْخِنا عاد إلى وَطَنه، ثم جَاءَهُ المَرْسُوم المَلكِيُّ من الإمام عَبْد العزيز بتَعْييْنه قَاضِيًا لبَلدة الدَّاهِنَة، وذلك في آخر سنةِ ستًّ وثلاثين وثلاث مئةٍ وألْفٍ عِنْد قَبيْلة الرباعين من عُتيبة، وبقي على ذلك حتَّى انتقلوا منها إلى نفي سنةَ تِسعٍ وأربَعْين وثلاث مئةٍ وألْفٍ، فانتقل معهم، ثم إنَّه عُيِّن قاضيًا في بَلد الرِّياض، ثم نُقِل إلى وظيفة رَئِيْس الدَّوَائر الشَّرعِيَّة بالمَدِينَة المُنَوَّرة، وما زَال بها إلى حِيْن وَفَاته، وكانتْ وَفَاتُه في السَّاعة الرَّابعة والنِّصْف من ليلةِ الأرْبِعَاء، ثامنَ شَهْر رَجَب، سنةَ أربعٍ وسَبْعيْن وثلاث مئةٍ وألْفٍ بالمَدِينة المُنَوَّرة، ودُفِن بالبَقِيْع رحمه الله، وكان مصابًا بداء السِّلِّ والسُّكَّر، وكان قَدْ مَنَع بَعْض المُحَامِيْن من دُخُول المَحْكَمة لأمْرٍ لاحَظَهُ عَلَيْه، فجَلَسَ له المذكور بعد العشاء في الطَّرِيْق، ولمَّا مَرَّ به أتاه من خَلْفِهِ لأجل أن يُقَبِّل رأسه، وخاف إنْ أتاه من قِبَل وَجْهِه أن يَزْجُرَه، وأرَاد أن يَسْتَرضِيه بتَقْبِيْل رأسه، فمسكة من كَتِفَيْه على حِيْن غَفْلةٍ، فحَصَلتْ له فجْعةٌ تَزَايَد المَرَضُ على إثرها؛ وكان ذلك سبَبَ وفاته. وَلَهُ