فقد ولي المتوكل على الله بعد الواثق في يوم الأربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومئتين وسنّه ست وعشرون سنة يومئذٍ، فأظهر الله به السنة، وكشف تلك الغمة، فشكره الناس على ما فعل، قال إبراهيم بن محمد التيمي: الخلفاء ثلاثة: أبو بكر الصديق قاتل أهل الردة حتى استجابوا له، وعمر بن عبد العزيز ردَّ مظالم بن أمية، والمتوكل محا البدعة وأظهر السنّة.
وقال علي بن الجهم: قال المتوكل: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقمت إليه، فقال: تقوم إليّ وأنت خليفة؟ فقلت له: أبشر يا أمير المؤمنين، أما قيامك إليه فقيامك بالسنّة، وقد عدّك من الخلفاء. فسرّ بذلك.
وقال ابن عرفة: لما كان في سنّة أربع وثلاثين ومئتين أشخص المتوكل الفقهاء والمحدثين، وكان فيهم مصعب الزبيري، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وإبراهيم بن عبد الله الهروي، وعثمان بن أبي شيبة، فقسَّمت بينهم الجوائز، وأجريت عليهم الأرزاق، وأمرهم المتوكل أن يجلسوا للناس، وأن يحدثوا بالأحاديث التي فيها الرد على المعتزلة والجهمية، وأن يحدثوا بالأحاديث في الرؤية، فجلس ابن أبي شيبة في مدينة المنصور، ووضع له منبر، واجتمع عليه نحو من ثلاثين ألفًا.
ولما مضى خمس سنين من ولايته بعث بتسيير أحمد بن حنبل، فأشخص إليه حتى وصل إلى بصرى فقيل له: ارجع. فقال ابنه صالح: يا أبت، أرجو أن تكون خيرة. فقال: لم أزل أدعو الله عزّ وجلّ أن لا أراه.
وقال صالح بن أحمد: جاء كتاب المتوكل إلى أبي فقرئ عليه، فكأنهم أومؤوا إلى أن عندهم علويًا، فقال أبي: ما أعرف من هذا شيئًا، وإني لأرى طاعته في العسر واليسر والمَنْشَط والمكره والأَثَرَة، وإني لأَتأسف على تخلفي عن الصلاة في جماعة، وعن حضور الجمعة، ودعوة المسلمين، وقد كان إسحاق وجه إليه قبل ذلك قبل موته: الزم بيتك، ولا تخرج إلى جمعة ولا إلى جماعة، وإلا نزل بك ما نزل بك. فقال ابن الكلبي: قد أمرني أمير المؤمنين أن أحلفك أن ما عندك طَلِبَته، أفتحلف؟