[(ذكر قصة خروجه إلى العسكر بعد انقضاء التهمة وما جرى بينه وبين المتوكل بعد عوده من العسكر)]
قال صالح بن أحمد: ورد كتاب علي بن الجهم: إن أمير المؤمنين قد وجه إليك يعقوب المعروف بقَوْصرة، ومعه جائزة، ويأمرك بالخروج، فالله الله أن تستعفي أو ترد المال فيتسع القول لمن يبغضك. فلما كان من الغد ورد يعقوب، فدخل إليه فقال: يا أبا عبد الله، أمير المؤمنين يقرأ عليك السلام ويقول: قد صح عندنا نقاء ساحتك، وقد أحببت أن آنس بقربك وأن أتبرك بدعائك، وقد وجهت إليك عشرة آلاف درهم معونة على سفرك. وأخرج بدرة فيها صرة نحو من مئتي دينار، والباقي دراهم صحاح، فلم ينظر إليها، فشدها يعقوب وقال له: أعود غدًا حتى أنظر ما تعزم عليه. وقال له: يا أبا عبد الله، الحمد لله الذي لم يشمت بك أهل البدع. وانصرف، فجئت بإجَّانة خضراء فكببتها على البدرة، فلما كان عند المغرب قال: يا صالح، خذ هذا صيّره عندك. فصيرتها عند رأسي فوق البيت، فلما كان سحرًا إذا هو ينادي: يا صالح، فقمت، فصعدت إليه، فقال: ما نمت ليلتي هذه. فقلت: لم يا أبتِ؟ فجعل يبكي، وقال: سلمت من هؤلاء حتى إذا كان في آخر عمري تلبثت بهم، قد عزمت على أن أفرق هذا الشيء إذا أصبحت. فقلت: ذلك إليك. فلما أصبح جاءه الحسن البزار والمشايخ، فقال: جئني يا صالح بميزان. فقال: وجه إلى أبناء المهاجرين والأنصار. ثم قال: وجه إلى فلان. حتى يفرق في ناحية. وإلى فلان، فلم يزل حتى فرقها كلها، ونفضت الكيس، ونحن في حالة الله بها عليم، وكتب صاحب البريد: إنه قد تصدق بالدراهم من يومه، حتى تصدق بالكيس.
قال علي بن الجهم: فقلت له: يا أمير المؤمنين، قد علم الناس أنه قبل منك، وما يصنع أحمد بالمال، فإنما قوته رغيف. فقال: صدقت يا علي.
قال صالح: ثم أخرجنا ليلًا معنا حراس معهم النفَّاطات، فلما أضاء الفجر قال