للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأخرجا في سفينة مع قوم محبسين، فلما صارا بعانات توفي محمد بن نوح، ودفن بها، ثم صار أبي إلى بغداد وهو مقيد، فمكص بالناس أيامًا، ثم صار إلى الحبس في دار اكتريت له عند دار عمارة، ثم نقل بعد ذلك إلى حبس العامة في درب الموصلي، وكان يصلي بالسجن وهو مقيد، وأرسل إليه آدم العسقلاني يقول: يا أحمد، اتقِ الله، وتقرب إليه بما أنت فيه، ولا يستفزنك أحد، فإنك إن شاء الله مشرف على الجنة، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أرادكم على معصية فلا تطيعوه" فأطرق أحمد إطراقة، ثم رفع رأسه فقال: رحمه الله حيًا وميتًا؛ فلقد أحسن النصيحة.

[أما قصته مع المعتصم وبيان فضله في صبره وما أثمر له]

فإنه لما مات المأمون رد أحمد إلى بغداد، فسجن إلى أن امتحنه المعتصم، وكان أحمد بن أبي دؤاد على قضاء القضاة، فحمله على امتحان الناس بخلق القرآن.

قال صالح ابن أحمد: لما كان في شهر رمضان سنة تسع عشرة ومئتين حوَّل أبي إلى دار إسحاق بن إبراهيم، يوجه إليه كل يوم برجلين أحدهما يقال له: أحمد بن رباح، والآخر أبو سعيد الحجام، فلا يزالا يناظرانه حتى إذا أرادا الانصراف دعيا بقيد فزيد في قيوده، فصار في رجله أربعة أقياد، فلما كان في اليوم الثالث دخل عليه أحد الرجلين، فناظره، فقال له أبي: ما تقول في علم الله؟ قال: علم الله مخلوق. فقال أبي: كفرت. فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحاق بن إبراهيم: إن هذا رسول أمير المؤمنين. فقال أبي: إن هذا قد كفر. فلما كان في الليلة الرابعة وجه المعتصم إلى إسحاق فأمره بحمل أبي إليه، فأدخل إلى إسحاق، فقال: يا أحمد، إنها والله نفسك، إنه لا يقتلك بالسيف، إنه آلى إن لم تجبه أن يضربك ضربًا بعد ضرب، وأن يلقيك في موضع لا ترى فيه الشمس، أليس قد قال الله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أفيكون مجعول إلا مخلوقًا؟ فقال له أبي: قال الله عزّ وجلّ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} أفخلقهم؟ فسكت، ثم قال: اذهبوا به. قال أبي: فلما صرنا إلى الموضع المعروف بباب البستان أخرجت، وجيء بدابة فحملت عليها وعلي الأقياد، ما معي أحد يمسكني، فكدت غير مرة أن أخرّ على وجهي لثقل القيود، فجيء بي إلى