الحديث، فطال عليه، فقال له السائل: قد تعبتَ يا أبا عبد الله فدعه، فقال: لا، الحاجة لنا. فرأينا أنه دخل البيت فنظر إلى كل جزء يتوهم ذلك الحديث فيه، فأخرج تلك الأجزاء لئلا يرى أنه قد أشغله، وكره أن يجلس في المنزل لطلب ذلك الحديث، وبحسبك هذا كرم مجالسة.
وقال أبو حاتم الرازي: أتيت أحمد بن حنبل أول ما التقيت به سنة ثلاث عشرة ومئتين، فإذا قد أخرج معه إلى الصلاة كتاب "الأشربة"، وكتاب "الإِيمان"، فصلى فلم يسأله أحد، فرده إلى بيته، وأتيته يومًا آخر وقد أخرج الكتابين، فظننت أنه يحتسب في إخراج ذلك، لأن كتاب "الإِيمان" أصل الدين، وكتاب "الأشربة" صرف الناس عن الشر، فإن أصل كل شر السكر.
وجاء أبو العلاء الخادم إلى أحمد بن حنبل، وكان شيخًا مشمرًا يشبه القراء متواضعًا، فاستأذن على أحمد، فخرج إليه وإذا في المسجد رجل غريب، وعليه أطمار ومعه محبرة، فلما قعد أحمد حانت منه التفاتة فرأى الرجل، فقال لأبي العلاء: لا يشتد عليك الحر، فقام. ثم جعل أحمد يلاحظ الرجل، فلما لم يسأله قال له أحمد: ألك حاجة؟ قال: تعلمني مما علمك الله، فقام فدخل منزله فأخرج كتبًا وقال له: ادنه، فجعل يملي عليه، ثم يقول للرجل: اقرأ ما كتبت.
[وأما مصنفاته]
فكان الإِمام أحمد لا يرى وضع الكتب، وينهى أن يكتب عنه كلام أو تروى عنه مسائل، ولو رأى ذلك لكانت له تصانيف كثيرة، ولنقلت عنه كتب، فكانت تصانيفه المنقولات.
فصنف "المسند": وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند، فقد جعلته إمامًا للناس.