بلدان نجد، وأخذ العِلْمَ عن علمائِها، ومن أجَلَّهم الشَّيخُ القاضي عبدُ الله بنُ مسلم، والشيخُ القاضي عبدُ العزيز المُرْشِدي، وغيرهما، وحَصَّلَ واستفادَ، وتَبرع في الفِقْهِ براعةً تامَّةً، واشتهر في تلك الجهة، وكانَ له من الحُظْوَة والجاهِ في تلك البلد ما يفوقُ الوَصْفَ، وكان على جانبٍ عظيمٍ من العبادِةِ والزُّهْدِ، والقناعَةِ والتقشُّفِ، وخشونَةِ المأكل والملبَس، وَاتباع الَسلف، قولًا وفعلًا، ووَلِيَ القضاءَ في تلك الجهة مُدَّةً فحُمِدَتْ سيرَتهُ، وله فتاوى كثيرةٌ، وكتاباتٌ عديدةٌ، وأجوبةٌ سديدة تدلُّ على سَعَةِ عِلْمِهِ، وقوةِ إدراكِهِ لا سِيَّمَا في الفِقْهِ، وبالجملة فهو من العلماءِ والمحققينَ الذينَ يَجِبُ أن يُحْفَظَ تاريخُ حياتِهِم، وتوفيَ رَحِمه الله سنة إحدى وخمسين وثلاث مئة وألف، وأخبرني عبدُ الكريم الخياط الأستاذ أنَّ وفاتَهُ سَنَةَ خمسين وثلاث مئة وألف.
وقال في "زهر الخمائل": ولد عامَ أربع وخمسين ومئتين وألف، وقرأ القرآنَ، وتعلمَ العلمَ على الشَّيخ عبدِ العزيز المرشدي، وكان زاهدًا عابدًا، متكلمًا فصيحًا، وكان يجلسُ للإخوان طلبةِ العلم بعد المغرب كلَّ ليلة في بيت إبراهيم بنِ نفيسة بشارع الداود، قرأَتُ عليه "مختصرات الشَّيخ محمَّد بنِ عبد الوَهَّاب، وكانَ يلازم الوَعْظَ والتذكير بعد صلاةِ العِشاء، والفجر في مسجده المعروفِ بمسجدِ عيسى والذي يقع في الشارع العامِّ وسط البلد، وكانَ حافظًا، متقنًا، لا يشعر المصلي خلفه بطولِ القيامِ لحسنِ تلاوَتِهِ، كانت لديه مَكتبةٌ عظيمةٌ تضمُّ أكثرَ من عشرة آلافِ كتاب، مات سنة خمسين وثلاث مئة وألف، وتولى كُتُبَهُ الشَّيخُ عبدُ الله السليمان البليهد، فأخذ بعضها، وبيع أكثرها ببخس. انتهى.
٢٩٩٣ - (ت ١٣٥١ هـ): الشَّيخُ عبدُ الله بنُ الشيخِ محمدٍ بنِ عبد الله بنِ سليم النَّجْديُّ القَصِيْميُّ، البرديُّ، الحنبليُّ، القاضي ابنُ القاضي، شيخُنا العالمُ الفاضلُ، الوَرعُ الزَّاهِدُ، الكامِلُ المحقَّقُ، المدقَّقُ النحريرُ.
ولد في بلد بُرَيْدَة عاصمةِ القصيم من نجد، ونشأ بها نَشْأةً حَسَنَةً، وقرأ القرآن وحَفِظَهُ عن ظهر قلبِهِ، ثم أخذ في طَلَبِ العِلْمِ فقرأ على علماءِ نجد الأفاضل في ذلك الوقت، ومن أجَلَّهم والدُهُ الشَّيخُ محمدٌ العبد الله بنُ سليم،