حمدًا لمن ألهم الإنسان وفهمه وعلمه ما لم يكن يعلم، وأهل أقوامًا بمحض كرمه وَمَنِّه لحمل أمانته وشريعته فجعلهم لحماية الدين ركنًا مكينًا وللذب عن ساحته حصنًا حصينًا، فنحمدك يا مولانا على هذه المنن الجليلة التي أوليتنا والمنح التي منحتنا وأعطيتنا، ونشكرك على هذه الأيادي العظيمة التي خولتنا والنعم الفخيمة التي خصصتنا وشرفتنا، ونشهد أنك الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنفرد بكل كمال المنزه عن الشريك والمثيل، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدك ورسولك المخصوص باتصال السند المنفرد ببقاء شريعته على طول الأبد القائل حسبما رواه الثقات الأئمة النحارير الهداة:"يحمل هذا الدين من كل خلف عدوله". فأعظم بها من نعمة شهد الله بها ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى آله الكرام وأصحابه الهداة مصابيح الظلام وعلى كل من حذا حذوهم من ساداتنا الأئمة الأعلام القائمين بحفظ شريعته على الدوام صلاة وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم القيام.
أما بعد: فمن المقرر والمعلوم عند كل عاقل أن أجل ما يتنافس فيه المتنافسون وأحسن ما يعتني بتحصيله الطالبون طلب العلم الذي هو فريضة على كل مسلم ذي تمييز وفهم قراءة ودراية وسماعًا ورواية إذ به يزداد الشريف شرفًا ويرتفع شأن العبد حتى يتأهل لمجالسة الملوك والخلفاء وهو طب القلوب والأرواح: وبه حياة الأجساد والأمشاج حتى قال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: الناس محتاجون إلى العلم أكثر من احتياجهم إلى الطعام والشراب لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفاس، وقد ورد في فضله والحث عليه ما هو مقرر ومعلوم في غير ما كتاب مسطر ومرسوم والعلوم وإن كثرت أنواعها وتباينت أوضاعها، فأجلها قدرًا، وأرفعها ذكرًا، العلوم الشرعية التي هي مقاصدها لا سيما ما كان متصل الإسناد بالرواية عن الشيوخ النقاد، وبذلك قام منار السنة المحمدية واتضحت بحججها السنية وقد حض السلف والخلف قديمًا وحديثًا على المحافظة على