الإسناد لئلا يقول من شاء ما شاء من أنواع التحريف والفساد، قال يزيد بن زُرَيْع: لكل دين فرسان وفرسان هذا الدين أصحاب الأسانيد رضي الله تعالى عنهم، هم القوم كمل الله بهم النعماء. وقال الأوزاعي: ما ذهاب العلم إلا ذهاب الأسانيد. قال مسلم في أول "الصحيح": باب الإسناد من الدين، ثم رواه بسنده إلى ابن سيرين أنه قال: إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
قال الإمام ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه متعددة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن العلم الذي جاء به يحمله عدول أمته من كل خلق حتى لا يضيع ويذهب، وهذا يتضمن تعديله - صلى الله عليه وسلم - لحملة العلم الذي بُعث به، وهو المشار إليه في قوله هذا.
فكل من حمل العلم المشار إليه لا بد أن يكون عدلًا ولهذا اشتهر عند الأمة عدالة نقلته وحملته اشتهارًا لا يقبل شكًا ولا امتراء ولا ريب أن من عدله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسمع فيه جرح فالأئمة الذين اشتهروا عند الأمة بنقل العلم النبوي وميراثه كلهم عدول بتعديل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولهذا لا يقدح قدح بعضهم في بعض وهذا بخلاف من اشتهر بسبب جرحه والقدح فيه كأئمة البدع ومن جرى مجراهم من المتهمين في الدين فإنهم ليسوا عند الأمة من حملة العلم، فما حمل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عدل ولكن قد يُغلط في مسمى العدالة فيُظن أن المراد العدالة مِن مَنْ لا ذنب له وليس كذلك بل هو عدل مؤتمن على الدين وإن كان منه ما يتوب إلى الله منه، فإن هذا لا ينافي العدالة كما لا ينافي الإيمان والولاية وهذا الحديث له طرق عديدة، وقال الخلال في كتاب "العلل": قرأت على زهير بن صالح بن أحمد قال: حدثنا من مهنا قال: سألت أحمد عن حديث معاذ بن رفاعة عن إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين" فقلت لأحمد: كأنه موضوع. قال: لا هو صحيح. قلت: ممن سمعته. قال: من غير واحد. قلت: من هم. قال: حدثنا مسكين إلا أنه يقول عن معاذ عن قاسم بن عبد الرحمن. وقال الشافعي: مثل الذي يطلب بلا إسناد كمثل حاطب ليل.