الوَرَعِ والزُّهد بمنزلةٍ لا يكاد أن يصفَهُ إلا من خالطَهُ وعَرَفَهُ، أما الانجماعُ عن الناس فكاد أن لا يَعرِف من يسكن بُرَيْدَةَ، ولا مَنْ يَرْحَلُ منها، ولا يَعرف أسواقَها وشوارعَها، مقتصرًا على العبادةِ والتَّدريس، والأوراد، لا يَغْشاه أحدٌ، ولا يغشى أحدًا، وكان خشن الملبَسِ والمأكلِ، خاضِعًا ليِّنَ الجانب، رحيمًا بالفقراءِ والمساكين، وأذكرُ أنَّ جلالَةَ الملكِ عبد العزيز بن عبد الرحمن كعادَتِهِ في إكرام العلماءِ وزيارتِهم، زَارَهُ مرةً ومعه الشيخُ عبد الله بن محمد بن سليم فجاءه الرَّسُولُ يخبُرُه بوصول جلالَتِهِ إليه، فخرجَ مِن الباب المذكور المفتوح على المسجد، وجلسَ في عتبة ذلك الباب، وجلس جلالَتُهُ عن يمينِهِ، والشيخ عبد الله عن يسارِهِ، ثم جَرَى الحديث بينهم في ذلك، وانصرفَ جلالَته، وَدَخَلَ الشيخُ إلى بيته، ولم يتدخَّل في شيء مما جرى في نَجْدٍ من الاختلاف، بل كان منعزلًا عن الناسِ، مقتصرًا على العبادةِ، لا يسمحُ لأحد أن يتكلَّم في مجلسه بأي حديثٍ غيرِ البحث العلمي الدِّيني فقط، وكان هو المتولي لإمامةِ مسجِدِهِ، والمؤذنُ فيه ابنُه عبد الرحمن، ثم تولَّى الإمامة بعده ابنُه المذكور، وجعل الله في علمه البركةَ، فنفَعَ العامَّةَ، وانتفعَ به كثيرٌ من طلبة العلم من بلده، وغيرها، وكان محبَّبًا إلى النَّاس عامةً وخاصةً، ولو قيل: إن أحدًا سلم من قادحٍ، لقيلَ هو، فرحمه الله رحمةً واسعةً.
قال في "زهر الخمائل": لم أقف على ولادَتِهِ، ولا على مَنْ قَرأ عليه القرآن، غير أنه كان حريصًا مجتهدًا، أخذَ العلمَ عن الشيح عبد العزيز المُرْشِديِّ، ولما مات رَثاه بقصيدةٍ لا بأس بها، كان مُجدًّا في طلب العلم، حتى في حال كبره، وجمع مكتبةً رأيتها عند ولدِهِ الشيخ سُليمان العَطِيَّة، وحَصل له طَرَفٌ صالحٌ من العلم، مات سنة ثلاثين وثلاث مئة وألف. انتهى.
٢٩٣٠ - (ت ١٣٣٠ هـ): ناصر آل مسْعد النَّجْديُّ، الحنبليُّ.
قال في "زهر الخمائل": كان حافظًا للقرآن، متقِنًا له، ومحبًّا لطلبةِ العِلم، ومجالسًا للعلماءِ، وله صوتٌ حسنٌ بالقراءَةِ، قتلهُ الرَّوافضُ غِيْلَةً ليلًا حين كان