عبد المطلب، والحسن البصري، وابن سيرين، وخلق كثير رحمهم الله تعالى.
[أما غسله، وكفنه، والصلاة عليه، وما جرى عند حمل جنازته، ودفنه، وما خلف من التركة]
فقال صالح: لما توفي أبي واجتمع الناس في الشوارع، وجهتُ إليهم أُعلمهم بوفاته، وأني أخرجه بعد العصر، ووجَّه ابن طاهر بحاجبه مظفر ومعه غلامان، معهم مناديل فيها ثياب وطيب، فقالوا: الأمير يقرئك السلام ويقول: قد فعلت ما لو كان أمير المؤمنين حاضره كان يفعل ذلك، فقلت له: أقرئه السلام، وقل له: إن أمير المؤمنين كان قد أعفاه في حياته مما كان يكره، ولا أحب أن أتبعه بعد موته بما كان يكره في حياته، فعاد وقال: يكون شعاره ولا يكون دثاره، فأعدت عليه مثل ذلك، وقد كان غزلت له الجارية ثوبًا عشاريًا قوم ثمنه عشرين درهمًا، فقطع منه قميصين، فقطعنا له لفافتين، وأخذنا له من فُوران لفافة أخرى، فأدرجناه في ثلاث لفائف، واشترينا له حنوطًا، وقد كان بعض أصحابنا من العطَّارين سألني أن يوجه بحنوط فلم أفعل، وصَبَّ في حَبٍّ لنا ماءً فقلت: قولوا لأبي محمد يشتري راوية ويصب الماء في الحب الذي كان يشرب منه، فإنه كان يكره أن يدخل إليه من منازلنا شيء.
وفرغ من غسله، وكفَّنَّاه، وحضر نحو من مئة من بني هاشم ونحن نكفنه، فجعلوا يقبلون جبهته حين رفعناه على السرير. وقال المرُّوذي لما أردت غسله جاء بنو هاشم، فاجتمعوا في الدار خلقًا كثيرًا، فأدخلناه البيت، وأرخينا الستر وجلَّلْته بثوب حتى فرغنا من أمره، ولم يحضره أحد من الغرباء ونحن نغسله، فلما فرغنا من غسله وأردنا أن نكفنه غلبنَا عليه بنو هاشم، وجعلوا يبكون عليه، ويأتون بأولادهم فيكبونهم عليه ويقبلونه، فوضعناه على السرير، وشددناه بالعمائم، وأرسل ابن طاهر بأكفان فرددتها، وقال عمُّه للرسول: هو لم يدع غلامي يرى وجهه. وقال له رجل: قد أوصى أن يكفن في ثيابه. فكفَّنَّاه في ثوب له مَرَوِيٍّ أراد أن يقطعه، فزدنا فيه، وصيَّرناه ثلاث لفائف.