الأولى ترك امتحان الناس، وذلك أنه جاءه شيخ مخضوب مقيد فقال: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه يعني ابن أبي دؤاد، فأدخل الشيخ فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك به مؤدبك. قال الله تعالى:{وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها. فقال ابن أبي دؤاد: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم. فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ، ما تقول في القرآن؟ فقال له: لِمَ تسألني، ولي السؤال. فقال له: سل. فقال الشيخ: ما تقول في القرآن؟ قال: مخلوق. فقال: هذا شيء علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه. فقال: سبحان الله! شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون وعلمته أنت! فخجل، فقال: أقلني، فقال: والمسألة بحالها؟ قال: نعم. فقال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق. فقال: هذا شيء علمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموه؟ فقال: علموه، ولم يدعوا الناس إليه. فقال له: ألا يسعك ما وسعهم؟ ثم قام إلى مدخل مجلس الخلوة، واستلقى على قفاه ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون وعلمته أنت؟! سبحان الله! علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم. فقال الخليفة: لا وسع الله علينا إن لم يتسع لنا ما اتسع لهؤلاء. فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطى أربع مئة دينار، ويؤذن له بالرجوع، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد، ولم يمتحن بعد ذلك أحدًا.
وهذه القصة رويت من طرق وفيها زيادة، وليس هذا محل إيرادها وإنما ذكرت ما ذكره ابن الجوزي.
قال المهتدي بالله: ولما سمعت هذا الكلام من الشيخ رجعت عن هذه المقالة، وأظن أن الواثق رجع عنها أيضًا منذ ذلك الوقت.