له: قد وجه معي ألف دينار تفرقها على أهل الحاجة، فقال: يا أبا زكريا أنا في البيت منقطع عن الناس، وقد أعفاني مما أكره وهذا مما أكره. فقال: يا أبا عبد الله، الخلفاء لا يحتملون هذا كله، فقال: يا أبا زكريا تلطف في ذلك، ودعا له ثم قام، فلما صار إلى الدار رجع، فقال: هكذا لو وجه إليك بعض إخوانك كنت تفعل؟ قال: نعم!. قال صالح: فلما صرنا إلى الدهليز قال: قد أمرني أمير المؤمنين أن أدفعها إليك تفرقها في أهل بيتكم، فقلت: تكون عندك حتى تمضي هذه الأيام. وقلّ يوم يمضي إلا ورسول المتوكل يأتيه، فقال أبي بعد ذلك: لقد تمنيت الموت، وهذا أمر أشد عليّ من ذلك، ذاك فتنة الدين الضرب والحبس، كنت أحتمله في نفسي، وهذه فتنة الدنيا. فقلت له: أي شيء كان لو أخذتها فقسمتها، فكلح وجهه وقال: إذا أنا قسمتها، أي شيء كنتُ أريد، أكون له قهرمان؟!.
قال صالح: وكتب عبيد الله بن يحيى إلى أبي يخبره أن أمير المؤمنين أمرني أن أكتب إليك أسألك عن القرآن مسألة معرفة وبصيرة، لا مسألة امتحان، فأملى عليّ: إلى عبيد الله بن يحيى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أحسن الله عاقبتك يا أبا الحسن في الأمور كلها، ورفع عنك مكاره الدنيا والآخرة برحمته، قد كتبت إليك رضي الله عنك بالذي سأل عنه أمير المؤمنين بما حضرني، وإني أسأل الله أن يديم توفيق أمير المؤمنين، فقد كان الناس في خوض من الباطل واختلاف شديد يغتمسون فيه، حتى أفضت الخلافة إلى أمير المؤمنين، فنفي الله بأمير المؤمنين كل بدعة، وانجلى عن الناس ما كانوا فيه من الذل وضيق المجالس، فصرف الله ذلك كله وأذهبه بأمير المؤمنين، ووقع ذلك من المسلمين موقعًا عظيمًا، ودعوا الله لأمير المؤمنين، فأسأل الله أن يستجيب في أمير المؤمنين صالح الدعاء، وأن يتم ذلك له، وأن يزيد في بيته، ويعينه على ما هو فيه، فقد ذُكر عن ابن عباس أنه قال: لا تضربوا بكتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم. وذُكر عن عبد الله بن عمرو: أن نفرًا كانوا جلوسًا بباب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ وقال بعضهم: ألم يقل الله كذا؟ فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فخرج، فقال: "بهذا أمرتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما هنا في شيء، انظروا