فتكلم على النَّاس بجامع أمير حسين بن جندر بحكر جوهر النوبي، وبجامع عمرو بن العاص، وسلك طريقة ابن تيمية في الحَطَّ على الصُّوفِيَّة، ثم إنَّه تكلم في مسألة الزَّيارة والتَّوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهما، على طريقة ابن تيمية، فوثب به جماعةٌ من العامَّة، ومَنْ يتعصب للصُّوفية وأرادوا قتله، فهرب، فرفعوا أمره إلى القاضي المالكي الإِخْنَائي، فطلبه، فتغَيَّبَ عنه فأرسل إليه، وأحضره، وسَجَنه، ومَنَعه من الجلوس، وذلك بعد أن عُقد له مجلس بين يدي السُّلطان، وذلك في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وسبع مئة، فأثنى عليه بدرُ الدين بن جنكلي، وبدرُ الدين بن جَمَاعة، وغيرهما من الأمراء، وعارضهم الأمير أيدمر الحظيري، فحطَّ عليه، وعلى شيخهِ، وتفاوض هو وجنكلي حتى كادت تكون فتنةٌ، ففوَّض السُّلطانُ الأمرَ لأرغون النَّائب، فأغلظ القولَ للفخر ناظر الجيش، وذكر أنَّه يسعى للصُّوفية بغير علم، وأنَّهم تعصبوا عليه بالباطل، فآل الأمر إلى تمكين المالكي منه فضربه ضربًا مبرحًا، حتى أدماه، ثم شَهَرَهُ على حمارٍ أُركِبَه مقلوبًا، ثم نُودي عليه: هذا جزاءُ من يتكلم في حق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكادت العامة تقتله، ثم أعيد إلى السَّجْن ثم شفِع فيه، فآل الأمر إلى أنْ سُفَّر من القاهرة إلى الخليل، فرحل بأهله وأقام به، وتردد إلى دمشق، وكان له خَطٌّ حَسَنٌ مرغوبٌ فيه. انتهى.
وذكره ابنُ كثير في "تاريخه"(١) وقال: وفي سنة خمسٍ وعشرين وسبع مئة مُنِعَ شهابُ الدين بن مري البَعْلَبَكَّيُّ من الكلام على النَّاس بمصر على طريقة الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وعزَّرَه القاضي المالكي بسبب الاستغاثة، وحضر المذكور بين يدي السُّلْطان، وأثنى عليه جماعةٌ من الأمراء ثم سُفَّر إلى الشَّام بأهله، فنزل بلاد الخليل، ثم انتزح إلى بلاد الشرْق، وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما يتكلم، ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله كما سنذكره. انتهى.
قلت: ولم يُذكر في "تاريخ ابن كثير" بعد، كما وعد، بعد الفحص الشديد، فمن وجدَه فلينقله إلى محله.