وذكره ابنُ العِمَاد (١) وقال: هو عَلَاءُ الدَّين أبو الحَسَن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المَرْدَاويُّ السَّعديُّ، ثم الصَّالحيُّ، الحنبليُّ، الشُّيخ الإمام، العَلَّامةُ المُحَقَّق المُفَنَّن، أعجوبَةُ الدَّهر، شَيْخ المَذْهب وإمامه، ومُصَحَّحُه ومُنَقَّحُه، بل شَيْخ الإسلام على الإطْلاق، ومُحَرَّر العُلُوم بالاتَّفاق، ولد سنةَ سَبْعَ عشرة وثمان مئة، وخرج من بلده مَرْدا في حال الشَّبيبة، فأقام بمدينة سَيَّدنا الخَلِيْل عليه الصَّلاة والسلام بزاوية الشَّيخ عمر المجرد، رحمه الله تعالى، وقرأ بها القرآن، ثم قَدِم دمشق، ونَزَل بمدرسة الشَّيخ أبي عُمَر بالصَّالحِيَّة، واشتغل بالعِلْم، فلاحظَتْهُ العِنَاية الرَّبَّانيَّة، واجتمع بالمشايخ، وجَدَّ في الاشتغال، وتفَقَّه على الشيخ تقيَّ الدَّين ابن قُنْدُس البَعْليَّ شَيْخ الحَنَابِلَة في وقْتِهِ، فبرع وفَضُل في فنونٍ من العُلُوم، وانتهت إليه رئَاسَةُ المَذْهب، وباشر نِيَابة الحُكْم دهرًا طويلًا، فحَسُنتْ سيرتُه، وعَظُم أمرُه، ثم فُتح عليه في التَّصْنيف فصنَّفَ كُتُبًا كثيرةً في أنواع العُلُوم، أعْظَمُها كتاب "الإنصاف في معرفة الرَّاجح من الخِلَاف" أربع مُجَلَّداتٍ ضَخْمةٍ، جعله على "المقنع"، وهو من كتب الإسلام، فإنه سَلَك فيه مسلكًا لَمْ يُسْبَقْ إليه، بَيَّن فيه الصَّحِيْح من المَذْهب، وأطال فيه الكَلَام، وذَكَرَ في كُلَّ مسألة ما نُقِل فيها من الكتب وكَلَام الأصْحاب، فهو دليل على تَبَحُّر مُصَنَّفه، وسَعَة عِلْمه، وقُوَّة فَهْمه، وكَثْرة اطَّلاعِهِ، ومنها "التَّنْقيح المشبع في تحرير أحكام المُقْنِع"، وهو مختصر الإنصاف، ومنها "التحرير" في أصول الفقه، ذكر فيه المَذَاهب الأربعة وغيرها، وشَرْحُه المُسَمّى "بالتَّحْبير" وجُزْء في الأدعية والأوراد سَمَّاه "الحُصُون المُعَدَّة الوَاقية من كُلَّ شِدَّة"، و"تصحيح كتاب الفُرُوع لابن مُفْلح"، و"شرح الآداب"، وغير ذلك، وانتَفَعَ النَّاس بمصنفاته، وانتشرتْ في حياته وبَعْد وفاته، وكانت كتابته على الفَتْوى غايةً، وخَطُّهُ حَسَنًا، وتَنَزَّه عن مُبَاشرة القضَاء في أواخر عُمره، وصار قوله حُجَّة في المَذْهب، يُعَوَّل عليه في الفَتْوى والأحْكام في جميع مَمْلَكة الإسْلام.
ومن تلامِذَته قاضي القُضاة بدر الدَّين السَّعدي قاضي الدِّيار المِصْريَّة،