في العُلُوم وقرأ عليه وعلى غيره، وكان بارعًا فقيهًا، ثم رَجع إلى دِمَشْقَ، فلازَمَ الشَّيخ شَمْس الدِّين بن المنقار، وانْتَسَبَ إليه، فسَعَى له في نيابَةِ القَضَاءِ، فَوَلِيَ بالصَّالِحيَّة، ثم بالكُبْرى ثم بالباب بعد وفاة القاضي شَمْس الدِّين الرجيحي، وتقدَّم على النُّوَّاب لسنِّه وتصرُّفِهِ، مع استحضاره لمَسَائِل القَضاء، حتى كان يأخذ على غيره من النُّوَّاب في المذاهب الأخرى. قال الغَزِّي: وأَخبرنا شيخ الإسلام والدي السيد محمد شريف، عن شيخ الإسلام والده الشمس محمد الغزِّي، عن العَلَّامة السَّيِّد إبراهيم، عن والده مُحَدِّث دِمَشْق السَّيِّد محمد بن حمزة، عن خاتمة المُحَدِّثِين بِدِمشْق بدر الدِّين محمد البلباني، تِلْمِيْذ صاحب التَّرجمة، أنه أخذ الحَدِيْثَ عن شَيْخ الإسلام، ملحق الأحفاد بالأجداد، جدِّنا البَدْر الغَزِّي، وعَرَض عليه "الْمُقْنِعَ"، و"ألْفِيَّة ابن مالك" من حفظه. انتهى.
وذكره المُحِبِّي في "خلاصة الأثر"(١) وقال: لما مات القاضي شمس الدِّين سِبْط الرجيحي نُقِلَ إلى مكانه بمَحْكَمة البَاب، فتَغَيَّرت أطْوَارُه، وتَنَاول وتَوَسَّع في الدُّنْيا، وأنشأ عقاراتٍ، وعَظُمَ أمرُه، وحَصَل له مِحْنةٌ أيام الحَافِظ أحمد باشا، فأخذ منه مَبْلغًا له صُوْرَة، ثم جَرَتْ له مِحْنَةٌ أُخْرى في نيابةِ جركس مُحَمَّد باشا، وأخذ منه مالًا أيضًا، غير أنَّه تلافى خاطره، وَوَقَعَ في آخر الأمر منافرةٌ بَيْنَهُ وبَيْن القَاضِي يُوسُف بن كريم الدِّين، ثم مَرِضَ، وطال مَرَضُهُ من القَهْر، ولمَّا عَلِمَ أنَّه لَمْ يَبْق له رَجْوى، بَذَل مالًا لقاضي القُضَاةِ بِدِمَشْق المولى عَبْدِ الله بن محمود العباسيِّ على أن يُوَلِّيَ نِيَابَةَ البَابِ لولدِهِ القاضي محمَّد فَوَلَّاه يومًا واحدًا، ثُمَّ سَعَى الكريميُّ عِنْدَ القاضي بأن يُوَلِّيَ نِيَابَة للقاضي عبد اللطيف بن الشَّيخ الوَفَائيِّ، وأن يولِّيَ ابن الحَميْدي بالمَحْكَمة الكُبْرى مكان القاضي عَند اللَّطيف، فَفَعَل، ولَمْ يَتمَّ للقاضي محمود مُرَادُه، ولو لم يقْبَلْ ذلك لضاع عليه المالُ الذي بذله فبقي في حُزْنه وغَيْظِه، وقوي عليه المَرَضُ فماتَ مَقْهُورًا، بعد أنْ قَعَد شُهُورًا، وكانت وفاتُه يومَ الجُمُعَة، سابعَ عشر جمادى الأولى، سنةَ ثلاثين بعد الألف، ودُفِنَ بمقْبرة الباب الصَّغير. انتهى.