الأتَابَكِيَّة، وكان له بُقْعَة تَدْريس بالجَامِعِ الأُمَويِّ، وعُرض عليه قضاءُ الحَنَابِلَة بمَحْكَمة البَاب لَمَّا مات القَاضي محمد سِبْط الرُّجَيْحيِّ فَي زَمَن قاضي القُضاة المَولى مُصْطَفى بن حُسَين بن المَوْلى مَنَّان صاحب حَاشِيَة التَّفْسير، فامتَنَع، وبالغ القَاضي ومَنْ كان عِنْده من العُلَماء في طَلَبِه، فلَمْ ينْخَدِعْ، ولَمْ يَلِ القَضَاء، واعتَذَرَ بثقل السَّمْع، وأنَّه لا يَسْمع ما يقوله المُتَداعِيَان بِسُهُولة، وذلك يَقْتَضي صُعُوبة فَصْل الخِطَاب، ولَمْ يَزَل يتلَطَّفُ بِالقَاضي حتَّى عَفَا عَنْه، وكَانَتْ وَفَاتُه في جُمَادى الآخرة، سنةَ ثمانٍ وثلاثين بَعْد الألف. انتهى كلام المُحِبِّي.
وذكره الغَزِّيُّ (١) وقال: وَجَدْتُ بخَطِّ تلمِيذِه العَلَّامة عَبْد البَاقي مُفْتي الحَنابِلة ما نصُّه: شيخنا الشَّيخ شِهَاب الدِّين أحمد الوَفَائيُّ الحنبليُّ المُفْلِحِيُّ، سَكَن الصَّالِحِيَّة أوَّلًا، ثم مَدينة دِمَشْق، أجمَعَ النَّاسُ على جلالته ودينه، بل وعلى وِلَايَتِهِ، تُوُفِّي سنةَ خَمْسٍ وثَلاثين بَعْد الألف، ودُفِنَ في تُرْبة الحَنَابلة بمَرْج الدَّحْداح خارجَ بابِ الفَرَاديس، وأخبرني مَنْ أثِقُ به يومَ ماتَ أنَّ عُمره مئة سنةٍ إلا سنة، أدرك الشَّيخ مُوسى الحَجَّاويِّ صاحب "الإقناع" وقرأ عليه، وكان مُلازمًا على التَّدْريس في جَامع بَني أُمَيَّة في كلَّ العُلُوم الشَّرعيَّة وآلاتها، أعرف النَّاس في الفَرَائضِ والعَرَبيَّة، وكان زاهدًا متقلِّلًا في الدُّنْيا، لا يَعْرف تَصَنُّعًا، لا فِي مَلْبَسه، ولا في شَيْءٍ مِنْ حَرَكاته وسَكَناته، وكان لا يستطيع أحدٌ إذا صَافَحه بيَدِهِ أن يَرْفَعَها ليُقَبِّلها لقُوَّة أعْضَائه، ولامتناعه من ذلك، مَرْجِعُ أهْل الشَّامِ ومُعْتَقَدهم. انتهى.
وذكره عَصْريُّهُ البَدْر حَسَن البُوْرِيْنيُّ في "تاريخه" بنحو ما ذَكَر، وأثنى عليه كثيرًا. قال الغَزِّي: ورأيت بخطِّ ابن عَمّ المُتَرْجَم الفَاضلِ المُسْنَدِ القَاضي أَكْمَلِ ابن مُفْلحٍ ما صُوْرَتُه: أنشدني من لَفْظه لِنَفْسه ابن العَمِّ أبو الوفاء أحمد بن أبي الوفاء ابن مُفْلح: