للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَجَلِّهم الأُسْتاذ الشَّيخ أيُّوب، والشَّيخُ عَبْد البَاقي مفتي الحَنَابلة، تلَقَّى عنه الفِقْه قراءةً وأخْذًا، والشَّيخ محمد شمس الدِّين البلبانيُّ الصَّالِحيُّ، وأجازوه، ثم رَحَلَ إلى القاهرة، فأقام بها مُدَّةً طويلةً للأَخْذ عن علمائها، فأخذ بها عن الشَّيخ سُلْطان المزاحيِّ، والنور الشبراملسيِّ، والشَّمس البَابيِّ، والشِّهاب القليوبيِّ وغيرهم، ثم رَجَعَ إلى دِمَشق، ولَزِم الإفادة والتَدْريس، فانتفع به كَثيرٌ من أهل العَصْر، وممَّن أخذ عن صاحب التَّرجمة الشَّيخ عثمان بن أحمد النَّجْدي، والمؤرخُ الشَّيخ مُصْطَفى الحَمَويُّ المكيُّ، والمحبيُّ صاحب "خُلاصَة الأثر"، وكان لا يَمَلُّ ولا يفتر عن المُذَاكرة والاشتغال، وكتب الكثير بخطِّه، وكان خَطُّه حَسَنًا بَيِّن الضَّبْط، حُلْو الأسلوب.

قال المُحِبِّيُّ: كنتُ في عُنْفُوان عُمري تَلْمَذْتُ لَهُ، وأخذتُ عَنْه، وكنتُ أرى لُقْيَتَهُ فائدةً أكتَسبُها، وجملةَ فَخْر لا أَتَعدَّاها، فلَزِمْتُه حتى قرأت عليه الصَّرْف والحِساب، وكان يُتْحِفُني بِفَوائِد جَلِيْلَةٍ، ويُلْقيها عَلَيَّ، وحَبَاني الدَّهْرُ مُدَّة بمجالَسَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يتردَّدُ إليَّ تردُّدَ الآسي إلى المَريض، حَتَّى قَدَّر الله لي الرِّحْلة عن وطني إلى دِيَار الرُّوم، وطالَتْ مُدَّةُ غَيْبَتي، وأنا أشُوقُ إليْه من كُلِّ شِيْقٍ، حتى وَرَد عليَّ خَبَرُ مَوْته وأنا بها، فتجددت لَوْعتي أسَفًا على ماضي عُهُوده، وحُزْنًا على فَقْد فضائله وآدابه، وكان قَدْ حَجَّ فمات بمَكَّة المُشَرَّفة، وكانت وَفَاتُه سَادسَ عَشَر ذي الحِجَّة، سنةَ تسعٍ وثمانينَ بَعْد الألْف، ودُفِنَ بالمَعْلَاة، وكان عُمُره ثمانيةً وخمسين عامًا، إذ كانت ولادَتُه بدِمَشْق نهارَ الأربعاءِ، ثامنَ رجب، سنةَ اثنتين وثلاثين بَعْد الألْف. انتهى المُرَادُ من تَرْجمته في "الخُلاصة" (١)، و"السحب" (٢).

وذكر له في "هدية العارفين" (٣) غير ما تَقدَّم من التآليف "شَرْح البَديعيَّة"، و"مَطِيَّة الأمان من حِنْث الأَيْمان" في الفقه، وذكر أن شَرْحَه "للمنتهى" يُسمَّى


(١) خلاصة الأثر: ٢/ ٣٤٠.
(٢) السحب الوابلة: ٢/ ٤٦٠ - ٤٦٥.
(٣) هدية العارفين: ١/ ٥٠٨.