للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

المُسمَّى أبو شَامَة، وخَلقٌ سِواهُم، فانتفَعُوا به، وراجَ للفِقه سوقٌ نافقة، وكَثُرَت كُتُبه، وتواجد منها غَريبُها، ونفعَ اللهُ به نفعًا ظاهِرًا، واتَّفق عقيبَ وُصولِهِ إلى عُنَيْزَة أن حَدَثتْ فِتنَةٌ بينَ الأميرِ وبعضِ عَشيرَته فغضِبَ الشَّيخُ من ذلك، وقال للأمير: أجئتَ بي للفِتَن؟ وأراد الخروجَ، وما زالَ به، هو وأهل البَلَد بالتلَطُّفِ قائلينَ: كُنَّا أمواتًا فأحيانا الله بك، ونحن مُحتاجُونَ إلى عِلمكَ وتَعلِيمِك، فكيفَ تُفارِقُنا؟ فرأى أنَّ الأمر مُتعيَّن، فانتقلَ إلى قريةٍ مُتَّصِلة بها تُسمَّى الضَّبَط بالتَّحريك، فبنَى لهُ فيها مَسجدًا ودارًا، وأعانَهُ عَليها أهل القَرية، واشتَرى بها أرضًا، وصارَ يتعيَّشُ بالزِّراعةِ. مُواظِبًا على التَّدريسِ من بُكرَةِ النَّهارِ إلى ضَحوةٍ، وبعدَ الظُّهرِ إلى قريبِ العَصْرِ، وبعدَ العَصرِ، وبينَ العِشاءَين، يقرأ غالبًا إمَّا "تفسيرَ البغَوِي"، أو "ابن كَثير"، أو حديثًا، أو وَعظًا، وبعدَ العِشاءِ في لَيالي الشِّتاءِ يقرأُ درسَ فرائض، أو السِّيرَة النَّبويَّة، وكانَ لا يَضجَرُ من كَثرةِ الدُّروس، والمُباحَثَةِ، والمُذَاكَرَة، والمُراجَعَة، كثيرَ الإدمانِ على النَّسخِ، فكتبِ بخطَّه المُتوسَّطِ في الحُسْن الفائِقِ في الضَّبطِ، ما لا يُحصَى كَثرةً من كُتبِ التَّفسيرِ والحَديثِ، وكُتُبِ الفِقه الكِبَار، وغَيرِها، بحيثُ إنِّي لم أَرَ ولم أسمَع منذُ أعصارٍ من يُضاهِيه أو يقارِبُه في كَثرةِ ما كتبَ فِمِمَّا رأيتُه بعدَ تفرُّقِ كُتبه وتَشتُّتِها في البُلدانِ القَريبةِ والبَعيدة، "تفسيرَ البغويِّ" و"الإتقان"، و"القاموس" و"قواعِد ابنِ رَجب"، و"الغاية" و"شرح الإقناع"، و"متنه" و"شرح المُنتهى" للشَّيخ منصور، و"متنه" عدَّة نُسَخ، و"حاشية الإقناع"، و"حاشية المُنتهى"، وغير ذلك سِوى الرَّسائِل والمَجَاميعِ والتَّآليفِ الصِّغار، هذا الَّذي رأيتُه، وهُو قَليلٌ من كَثير، وأوَّل ما رأيتُهُ بخطِّه سَنَة ثلاثٍ وتِسعين وألف، ولعلَّ له شيئًا قبلَه، فأظُنُّ ولادَته في حُدود سَنة خَمسٍ وسَبعين وألف، وتوفَّي سَنةَ إحدى وسِتَّين ومئة وألف وله جواباتٌ سَديدةٌ، وألَّفَ رسالة في "تحريم الدُّخان". انتهى المرادُ من تَرجمةٍ حَافِلَة جدًّا، استرسلَ فيها صاحِبُ "السُّحب" كعادَتِهِ في تراجم مَنْ يَعتقِدُهم، ولقد رأيتُ الرِّسالةَ المذكُورةَ في "تحريم الدُّخان"، وهي صَغيرةٌ جِدًّا، بخَطَّ المُترجَم، وهُو خطٌّ رَديءٌ جِدًّا، بخلاف ما يقوله صاحِبُ "السُّحب": إنَّ خَطَّه مُتوسِّطٌ في الحُسن، وتسمَّى هذه الرِّسالة "الأفعى اللَّاذِعَة".