"البخاري" بأسانيده، ويمليه في البَصْرة من حِفظِهِ في الدَّرس، وكان من فرط ذكائه كأنَّ جميعَ العلوم نصبَ عَيْنَيْهِ، أخذ عن عُلماءِ عَصْرِهِ وأجازوه في النَّحو والمعاني والبيان، والحديث، والفقه، وسائر الفنون، وأثنوا عليه ثناءً بليغًا، فممن أخذ عنه الحديث حافظُ عصره أبو الحسن السِّندي نزيلُ المدينة المنوَّرة، ومحمد سعيد المَدَني، في آخرين، وأخذ الفقه عن والِدِهِ، ومحمد بن عبد الرحمن بن عَفَالِق الأَحْسائي، ولَازَمَهُ وأكثر تَفقُّهه به، وتصدَّر للتدريس، وأفتى في حياة شيوخِهِ، وكتبوا على أجوبتِهِ وفتاواه بالمدح والثناء، وتأهَّل للتأليف، ونفع الله به، وصار يُرحَل إليه من جميع الأقطار حتى إنَّه يجتمع عنده من الطلبة نحو الخمسين وأكثر، كلهم يقومُ بكفايتِهم، ويتفقَّدُ أمورهم، فمن تلامذتِهِ الشَّيخ محمد بن سلوم، والفقيه عُثمان بن جامع، وابنه الأديب عبد الله بن عُثمان بن جامِع، والشَّيخ عبد العزيز بن عَدْوَان بن رزين، وأحمد بن حسن بن رشيد، وإبراهيم بن ناصر بن جديد، وناصر بن سُليمان بن سُحَيْمٍ، وعبد الله بن داود وغيرهم، ومَنْ هو دُوْنَهم خلقٌ لا يُحصون من الفُضلاء، من أهل الأَحْساء، والبحْرين، والبَصْرة، والزُّبير، ونَجْد، وكاتَبَ السُّلطانَ عبدَ الحميد خان يَسْتَنجِدُهُ على قتالِ أهل نجدٍ التابعين للشيخ محمد بن عبد الوهَّاب، وكان من أهل نجد في همٍّ وأذى، لأنه كان يَرُدُّ عليهم، وينصحُ الناسَ عنهم، فلما قويت شَوْكَتُهم، وعَرَف أنهم يأخذون الأَحْساء، ارتحل بأهله وعياله إلى البَصْرة، وتَبِعَهُ تلامذةٌ كثيرون، فلما وصل البَصْرة تلقَّاه واليها عبد الله آغا بالإكرام والتعظيم، وصار له شهرةٌ عظيمة في البصرة، وهَرَع إليه الطَّلبةُ، ورحل إليه بها، وأرسل إليه الكمالُ الغزيُّ قصيدةً بليغةً، وكتابًا يطلُبُ منه الإجازة، فأجابه وأجازه نظمًا، نحو ست مئة بيت، ثم أرسل إليه قصيدةً أخرى يشكره ويطلُبُ منه أن يرسل إليه تراجم مشايخه، ومشايخهم، وأقرانه، وتلامذتهم، وتلامذته ليثبتهم في كتابه "النَّعت الأكمل" فأرسل إليه جزءًا ضمَّنه ما طلب، رأيته مرةً في صِفَري، ولم أظفر به الآن، وله تصانيف ليست على قدرِ عِلْمه، وأجاب على أسئلة عديدةٍ بجواباتٍ سديدةٍ، لو جُمعت لجاءت مجلدًا ضخمًا، وكانت له نَهْمةٌ عظيمة في تحصيل الكتب واستِنْساخِها، وتوفي ليلة الجمعة، غرَّة المحرَّم، سنة ست عشرة ومئتين وألف، وعمرُهُ خمس وسبعون سنة بالبَصْرة، ورُثي بقصائد بليغة، منها