للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العلم توجهًا تامًّا، وتعلمتِ الخَطَّ في صغرها فأتقنته، وكتبت كتبًا كثيرةً في فنونٍ شتَّى، وخطُّها حَسَنٌ منورٌ، مضبوطٌ، وصارَ لها همةٌ في جمعِ الكتب فجمعت كتبًا جليلةً في سائرِ الفنون، ولها محبةٌ في الحديث وأَهلِه فسمعتْ كثيرًا من المسلسلَات، وقرأت شيئًا كثيرًا من كتب الحديث، وأجازَها جمعٌ من العلماءِ، واشتهرت في عصرها، وكاتبها الأفاضلُ من الآفاق، وكاتبتهم بأبلغِ عباراتٍ وأعظمِ مدحٍ، ثم حجَّت، وزارت، ورَجَعَت إلى مكة المشرَّفة، وأقامت فيها في باب الزِّيادة في بيتٍ ملاصقٍ للمسجد الحرام تُرَى منهُ الكعبةُ المشرَّفَة، وعزمت على الإقامة فيها إلى الممات فتردَّد إليها غالبُ علماءِ مكَّة، وسَمِعُوا منها وأسمعوها وأجازتهم وأجازوها خصوصًا العَلَّامَةُ الوَرعُ عمرُ بنُ عبدِ الرَّسُول الحنفي، والحجةُ الوَرعُ محمدٌ بنُ صالح الرَّيِّس مفتي الشَّافِعِيَّة، فإنهما كانا كثيري التردد إليها والسَّمَاع منها من وراء ستارة يريان أنهما يستفيدانِ منها، وهي ترى أنها تستفيد منهما، فصار لها شهرةٌ عظيمةٌ، وصيتٌ بالغٌ، وأسْنَدَتْ كثيرًا من المُسَلْسَلاتِ، وأخَذَتْ الطريقةَ النقشبندية، والقادرية، وكان لها أورادٌ وأحزابٌ ومشربٌ روي في التَّصَوُّفِ، وأرشدت خلقًا من الناسِ سيَّما النساء، فلقد لازمْنَها ملازمةً كليَّةً، وانتفعْنَ منها انتفاعًا ظاهرًا، وأصلحت أحوالَ كثيرٍ منهن، وصارَ كثيرٌ ممن يتردَّدُ إليها منهن يُعْرَفْنَ من بين النساء بالدين والتقوى، والورع والمواظبة على فرائض الدين، والقناعة، والصبر، وحسن السُّلوك، وكُفَّ بَصَرُها آخِر عمرِها، وبقيت على ذلك نحو سنتين، وظهر لها كرامةٌ لا يمكن ادعاؤها، وذلك أنَّها رأت النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأعطاها من ريقه فمسحَتْ عَيْنَيها بأمره فأصبحت مبصرةً في قِصَّةٍ طويلةٍ ذكرها صاحبُ "السحب"، وذكر أنَّهُ قد تناقل القصةَ الرُّكبانُ، وكاتبها علماءُ الشَّامِ والمغرب بأنْ تكتبَ لهم هذه الواقعة، ثم قال صاحبُ "السحب": ولم نسمع في هذا العصرِ ولا قبلَه بأعصار بمثلها ولا مَنْ يدانيها في علمها وصلاحِها، وزهدها وورعها، وجمعها للفضائل، وأخذ عنها جمعٌ غفيرٌ كما سلف، ووقفت كتبَها جميعًا على الحنابلة، وجعلت ناظرها الشَّيخ محمد الهديبي، فكانت عنده إلى أنْ أراد اللهُ له النقلة إلى المدينة فتورَّع عن إخراجها من مكة فأبقاها فيها، وتوفيت سَنَةَ سبعٍ وأربعين ومئتين وألف، ودُفِنَتْ بالمعلاة في شعبِ النور في حوطة الشيخِ محمدٍ