العُقُود، وكان تعلَّم الخَطَّ في كِبَرِهِ، ولاحظه حتى تميَّزَ إلى أنْ فاقَ، وطرز الأوراقَ، فكتب شيئًا كثيرًا لنفسه وللنَّاس، وقرأ في مدَّةِ مجاورتِهِ الفِقْهَ على شيخِنَا محمدٍ الهُدَيْبِي، والشَّيخ عيسى بن محمد الزبيري واجتهد في البحث والمراجعة وكان عمي من رفقائه، ولكن شتان ما بينهما، فأخبر عنه أنه كان يقول: شيخنا محمد الهديبي كما في الحديث "فليحد شَفْرَته وليرحْ ذبيحَتَه"، وشيخُنا عيسى كجمالة حرب أعطوها وقيفة يعني أنَّ الشيخَ محمدًا كان سريعَ التقرير، والشَّيخ عيسى مُتَأَنٍّ، وبعد أنْ يقرأَ المقرئُ يسكُتُ هنيهة، فقال لي بعضُ الطَّلَبة ممازحًا: أتدري لِمَ يسكتُ؟ فقلت: لا. قال: يشاور الشَيخَ منصور أيش يقرر، وقرأ المترجَمُ على غيره نحوًا، وصرفًا، وفرائض، فمن مشايخه في ذلك الشَّيخ محمد المرزوقي مفتي المالكية، وكتب له إجازةً وغيره، ثم رجع إلى بلده عُنَيْزَة بعلمِ جَمٍّ، فنصبوه إمامًا في الجامع وواعظًا، ثم ناكده أتباعُ الأمير تركي بنِ سعود ووشوا به عنده وعند قضاته بأنَّهُ يُنْكِرُ عليهم ولا يعتقد فيهم العِلمَ وأنَّه لمَّا احتاجَ إلى تحرير مزولة أرسل إلى الشَّيخ محمد بن سلوم يطلب منه كيفية وضعها، وزَعَمَ أنَّ آل الشَّيخ لا يحسنون ذلك كما هو الحق، وأين الثرى من الثريا، فعزلوه ووبخوه فرجع إلى مكَّة المشرفة، وابتدأ فيه مرضُ السِّل، ونظم فيها في أثناء مجاورته مَنْسكًا لطيفًا فرغ منه في ذي القعدة سنة سبعٍ وأربعين ومئتين وألف، ثم رجع ومعه السِّل يتزايد إلى أنْ ماتَ تركي واستقل أهل عنيزة فنصبوه في الإمامة والخطابة، فلم يقدر على المباشرة، ومكث كذلك نحو سنة ثم توفي في ربيعٍ الثاني سنة إحدى وخمسين ومئتين وألف، ودُفِنَ في مقبرة الضبط شمالي عُنَيْزَة وتأسَّفَ الناسُ عليه لأنَّه لم يخلف مثله، وكان له جلدٌ على العبادة، وله مدارسة في القرآن العظيم مع جماعةٍ في جميع ليالي السنة ويقرؤن إلى نصف الليل عشرةَ أجزاء أو أكثر، وأعرف مَرَّة أنَّهم شرعوا في سورة الفرقان بعد العشاءِ، وختموا القرآن وكنت أحضر وأنا ابنُ عشرِ سنين مع بعض أقاربي فيَغْلِبُني النَّومُ فإذا فرغوا حملني إلى بيتنا وأنا لا أشعُرُ وكان مع القراءة يراجع "تفسير البَغَوي"، و"البَيْضَاوي" كلَّ ليلة. انتهى.
قلت: شهادةُ صاحب "السحب" أنَّ عجز آل الشَّيخ هو الحق، وقوله: أين