الأفلاج للقراءةِ على الشيخِ حَمَد بن عَتِيق، فقرأ عليه، وقرأ على غيرهم من علماء نَجْد البارِزينَ، فمَهَر في الفقهِ والفرائضِ، والحديثِ، والتفسيرِ، وشارك في غيرِها، وظهرَ أمرُه، ونَبُلَ قَدْرُه، وبَعُدَ صِيْتُه حتى صار مَرجِعَ جميعِ أهل نَجْدٍ في الأصول والفُروعِ، والتَّوحيدِ، وغيرِ ذلك من العُلوم، ورحل إليه الطَّلبةُ من شتى البُلدان، ونعم الشيخ كان علمًا وعملًا وكرمًا وأدبًا، وعقلًا وخُلقًا، وبِرًا ووَرَعًا، وزُهدًا وتقشفًا، وتواضُعًا وعُزوفًا عن الدُّنيا، وانجماعًا عن الناس، وصيانةً وديانةً، وكان يُضرب به المثلُ في كل ذلك، ولو أردنا ذكرَ بعضِ سيرَته رحمه الله لأفردنا ترجمَتهُ في مجلَّدٍ كبيرٍ، وكان رحمه الله مَهِيبًا وَقُورًا، قويًّا في دين الله، جَسُورًا لا تأخذُه في الحقَّ لومةُ لائمٍ، وكان لا يهابُ الملوكَ والعُظماءَ، أمَّارًا بالمعروف، نهَّاءً عن المنكر، صدَّاعًا بالحق، ذا هَيْبةٍ ووقارٍ، وإجلالٍ، لَيِّن الجانبِ، متوددًا إلى الناس كافةً على اختلافِ طبقاتِهِم، لا يَغضَبُ إلا لله، ولا ينتَصِرُ لنفسِهِ، وكان لا يخلُو بيتُه من عشرة أنفسٍ إلى خمسين نَفْسًا من الغُرباء الَّذِين يَفدون لطلبِ العلم، وكلُّهم يُطعِمُهم ويتفقَّدُ أحوالَهُم، ويقومُ بمصالِحِهِم بنفسهِ، وكأنَّهم جميعًا أبناؤه لصلبه، وتولَّى القضاءَ في بلد الرِّياض إلى حين وفاته، فقامَ به خيرَ قيام بسيرةٍ محمودةٍ هي المَثَلُ الأعلى للعَدْلِ والإنصافِ والأناةِ في الحكم، وتوخَّى الحقَّ والصَّوابَ، وكان جليسُه لا يملُّ حديثه، ويسبق من لقيَه بالسَّلام، ويعرِضُ نَفسه لقضاءِ الحاجات، قبل أن تُعرَضَ عليه، فيُبادِرُ في قضاءِها بمالهِ وجاهِهِ، وبالجملة فهو شيخُ الإسلام في عصره بلا منازِع، وفريدُ دهره بلا مُدافِع، وجميع علماء نجد اليوم، الذين يُرجع إليهم، تلامِذَتُه، وتوفي في عشري ربيع الأول، سنةَ تسع وثلاثينَ وثلاث مئة وألف، وافتجعَ الناسُ لموتِهِ، وصُلِّي عليه في جامع الرِّياض بحفل لا يُعهد لكثرتهِ نظيرٌ وحُملت جنازته، واغتصَّت الأسواقُ بالناس المشيِّعين له، ودُفن بمقبرة العود، انهالت التعازِي والمراثي إلى أبناء الشيخ من كلِ بلدٍ. رحمه الله وبارك في ذُرِّيته إنه على كل شيءٍ قديرٌ.
وأخبرني من أثقُ به أنه قد أحصي من تولَّى القضاءَ من تلامذَته فبلغوا ثمانين رجلًا، وذكر لي أنه وقع اختلافٌ بينه وبين رجلٍ يقال له: ابن عجيبان في مِلْكٍ هو وكيلَه، فترافَعَا إلى الشيخ سعد بن عتيق، فحكمَ الشيخُ سعدُ لابن