وهذا جمودٌ مذمومٌ، أخذَهُ عن شيخِهِ عبد الله بن حمُّود المذكور، وهو تقليدٌ أعمى سامَحَهُ الله، وكانت مطالعتُه دائمًا في "الإقناع" وشرحِهِ، و"المنتهى" وشرحه، و"الغاية" و"دليل الطالب" ولا يقبلُ مَنْ خالَفَهُم، ويقول: إن مطالعةَ غيرِ هذه الكُتب للتبرُّكِ أو للاعتبارِ والاطلاعِ، وكان رحمه الله مع ذلك طارحًا للتكلُّفِ متقشفًا في مأكلِهِ، ومَلْبَسِهِ ومسكنه، شديدَ الخُشونةِ في ذلك، وكان كثيرَ الإيثار والصَّدقات لتلاميذِهِ، ومن يتردَّد إليه، مُحبَّبًا إلى الناس عامة، وإلى العلماء خاصةً، لا يخلو مجلسُهُ من العُلماءِ من أهل الكويت والوارِدينَ إليه، وكان لا يَرِدُ الكويتَ عالمٌ أو أديب إلَّا أخذَهُ إلى بيتِهِ وضيَّفه وأكرم مَثْواهُ، وانصرفَ عنه شاكرًا، ولهذا لم أجد في تلك البلد ولا غيرِها من يتنقَّصه أو لا يُظهِرُ الثَّناءَ عليه، وكان مع غَزَارةِ علمه، لا يستنكفُ عن الأخذ عمن هو دُونَهُ، فلقد جالستُهُ مرارًا ودارَ البحثُ بيني وبينَهُ في مسائلَ عديدة، فكان يُظهِرُ لي الشكرَ على توقيفه على أقوالِ العلماءِ فيها، كأنه لم يعرِفها، وهو أعلمُ مني بما أذكرُ له، ولكن لصدقِ لَهجتِهِ وحُسن نِيَّتِهِ وكَرَمِ أخلاقِهِ وبُعدِهِ عن الحَسَدِ الحاملِ على تركِ الفائدةِ، كان منه ذلك، وكان من التَّواضُع ولينِ الجانبِ بمكانٍ لا أستطيعُ وصفَهُ، وكان غزيرَ الدَّمعةِ لا ترتفع دمعتُه إذا مرَّ بآيةِ رحمةٍ أو آيةِ عذابٍ، وقد حصلَ له من الكُتبِ الغريبة الخطيَّة ما لم يحصل لغيرِهِ من العُلماء فيما رأيتُ، بعضُها بالشَّراء، وبعضُها بالاستكتاب، وأمَّا المطبوعةُ فحصل له غالبُ المطبوعاتِ على اختلاف أنواعِها، فانتفع بذلك، وكان كثير المطالعةِ، حادَّ الذهنِ قويَ الحافظةِ، وآخر عهدي به سنةَ اثنتين وأربعين وثلاث مئة وألف، ولقد بلغني بعد ذلك أنَّه تولَّى القضاءَ ببلد الكُويت، واستمرَّ قاضيًا إلى حين وفاتِه، وكان عُرِضَ عليه أولًا فامتنع مِرارًا، وله أسئلة عديدة، وأجوبةُ مفيدة، وكتاباتٌ سديدة، وكان نيِّر الخطِّ، كثيرَ التصحيحِ والضَّبطِ، وهو السائل لعبد القادر البَدْراني التي أجاب عليها بكتابه المسمّى "العُقودُ الدريَّة في أجوبة الأسئلة الكُويتيَّة"، وكان بينَهُ وبينَه مكاتبات ومراسلات وغيره من العلماء، وله بعضُ التآليف منها كتاب:"وقاية الضرر في عقائد أهل الأثر" وكتاب لطيف في التعامل بالنوط، وكتاب "زاد الفج في مناسك الحج".