على مُعْتَقَد السَّلَف الصَّالح وسَيْرتِهِم، أمَّارًا بالمَعروف، نهَّاءً عن المُنْكَر، قويًّا في ذلك، لا تأَخُذُه في الحَقِّ لَومةُ لائم، ولا يُحَابي أحدًا، منَوَّر الوَجْه بَشُوشًا، ليِّن الجَانِب، صموتًا لا يتكلم إلَّا فيما يعنيه، عليه سكينة ووقار، نظيف الملبس من غير إسراف، صاحب أناة في كل أموره حتَّى في الكَلَام على الدُّرُوس، وكان صَبُورًا على التَّدْريس، لا يَمَلُّ ولا يَضْجر، في تَعْليمه بَرَكَةٌ، بسبَب حُسْن قَصْدِهِ، فقد أَنجبَ ما لَا يُحْصى من التلامِذة العُلَمَاء الأَفَاضِل، ما بَيْن قاضٍ ومُدَرِّسٍ ومُفْتٍ، وجُل مَن يُوْجَد اليَومَ من العُلَماء هُمْ من تَلَامِذَتِهِ، وكانت أوقاتُه مُوَزَّعةً بَيْن تَدْريسٍ وَوَعْظٍ وإفْتاء، وتولَّى القَضاء في بَلَده بُرَيْدَة، فلم يُمْنَعْه ذلك عن نَشْر العِلْم والتَّعْلِيم، فكان يَجْلِس للطَّلَبَة بَعْد صَلاة الصّبْح في النَّحو إلى بعد طُلُوع الشَّمْس، ثم يُصَلِّي الضُّحَى، ويَخْرُج إلى بَيْته قَليلًا، ثم يَرْجِع فيَجْلس للطَّلَبَة أيضًا في شَتَّى أنْواع العُلُوم من فِقْه وحَدِيْث، وتَفْسيرٍ وتاريخ، وغَيرِ ذلك، ثم يَخْرُج مِن المَسْجد الجَامع إلى خَارِجِهِ، فيَجْلِسُ لفَصْل القَضاء والأحْكام بَيْن الخُصُوم إلى قَرِيْب الظُّهْر، ثم يَذْهب إلى بَيْته قلِيْلًا، ثم يَعُود إلى المَسْجِد فَيُصَلَّي الظُّهْر إمامًا بالجَمَاعة، ثم يَجْلِس للطَّلَبَة في شتى أنواع العُلُوم كما تقَدَّم، ثم يَخْرُج قَرِيْب العَصْر إلى بَيْته، ثم يعود فيُصَلَّي العَصْر، ثم يَعْقد مَجْلِسًا للعَامَّة في الحَدِيْث في "رِيَاض الصَّالحين" أو "مِشْكاة المَصَابيْح"، ثم يَخرج ويَجْلِس للقَضَاء والنَّظَر بين الخُصوم إلى قَرِيْب المَغْرِب، ثم يَذْهَب إلى بَيْته، ثم يَعُود فيُصَلِّي المَغْربَ، ثم يَجْلس للطَّلَبَة في الفرائض خاصَّة إلى قَريب أذان العِشَاء، ثم يَعْقِد فَصْلًا للعَامَّة في التَّفْسير إلى وَقْت صَلَاة العِشَاء، فيُصَلِّي العِشاء، ثم يَذْهَب إلى بَيْت عَبْد العَزِيز بن مُشيقح، فيَقْرأ عَلَيْه خَوَاصُّ الطَّلَبَة في الكُتُب الكِبَار، "كَفَتْح البَاري" و"العَيْن" وغيرها، ثم يَذْهَبُ إلى بَيْته، وكان رَحِمَه الله كثير الصِّيَام، قلَّ أن يُرَى مُفْطِرًا حتَّى في حالة سَفَرِهِ، فقد صحِبْتُه في بَعْض أسفارِه، فكان يَصُوم ويَقُوم اللَّيْل، لا يُخِلُّ بشيءٍ من أوْرادِه، وكان كثير التَّهجُّدِ والأَوْرَاد، وكان كَثير العَطْف والتَّوَدُّد والتَّفَقُّد لأَحْوَال تلامِذَتِهِ ومُوَاسَاتِهم، والْحِرص على رَاحَتهِم بكُلَّ ما يستَطِيْعه من مال وجَاهٍ، وكان رَحمه الله ليِّن الجَانِبِ سَهْلَهُ جِدًّا، مُحَبِّبًا إلى النَّاس، عامَّتهم وخاصتِهم، له شُهْرةٌ في العِلْم والعَمَل في بَلَده وغيره من سَائر البُلْدَان، محترَّمًا عِنْد العُلَماءِ والمُلُوك احترامًا