للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من العبادة والوَرَع والتَّهَجُّد والأوْراد، وكان رحمه الله مُؤْثرًا للخُمُول والانجماع عن النَّاس، مع ما آتاه اللهُ من المَنْزِلة الرَّفِيْعة بَيْن النَّاسِ، وكان لا يُحِبُّ الثَّنَاء عَلَيْه، ولا أن يُوْطَأ عَقِبُه، وكان وَقَّافًا عِنْد الدَّلِيل، لا يَنْتَصِر لِنَفْسه، ولا يُحِبُّ أن يَعْلُوَ على أحدٍ بالحُجَّة، بَلْ هَدَفُه ظُهُورُ الحَقِّ فَقَطْ، وكان يقولُ: نَحْن في الفروع على مذهب أحمد بن حَنْبَل، وذلك فيما لم يَتَبَيَّن لنا أن غَيْرَه أسَعَد بالدَّلِيْل، فإذا تَبَيَّن لنا ذلك اتبَعْنا الأسعد، سَوَاءٌ كان ذلك مذهب أحمدَ أو الشَّافعيِّ، أو الحَنَفيِّ، أو المَالِكِيِّ، وكان إذا بَلَغَهُ منكرٌ أخذَتْهُ رِعْدَةٌ، وتَغَيَّر وَجْهَهُ، وغضِبَ غَضَبَ الأسد إذ جُرِحَ، وبَادَر إلى إنكاره، لا يَنْظُر إلى مَنْزِلةِ صَاحِبه، بَل إنَّ النَّاس عِنْده في ذلك سَوَاءٌ، وكان قويًّا جَسُورًا على مُوَاجَهةِ المُلوك والأُمَراء بالإنكارِ عَلَيْهم، وكانَتْ مَجَالِسُه مَقْصُورةً على البُحُوث الدِّيْنيَّة فَقَطْ، لا يُذْكَرُ فيها شيءٌ من أمُور الدُّنيا، ولا يُغْتَاب فيها أحَدٌ، وكان المَلِكُ عَبْد العَزِيْز بن عَبْد الرَّحمن الفَيْصَل رحمه الله يُجِلُّه ويُعَظِّمه، ويحبُّه ويُقَرِّبُه، حتَّى إنَّه كان دائم الأنْس به، والاستِفَادة فيه، وصَحِبَه في جميع غَزَوَاتِهِ، وجَعَله مُفْتي جُيُوشه، وكذلك في الحَجَّ، كان يَصْحَبُه ويَعْتمِد على فُتْيَاهُ، ويَستَشِيْرُه في كَثِيْر مِن أمُوره، وفي مُسْتَهَل سَنةِ سَبْع وأرْبَعِيْن وثلاث مئةٍ وألْفٍ عُيِّن رئيسًا للقُضَاة في المَمْلكة العَربيَّة السُّعودِيَّة، فشَغَلها بنُصْحٍ وإخلاصٍ، وعِفَّةٍ ونزاهةٍ، لم يأت ما يَشِيْنُه ويُدَنِّس فضيلَته، وكان حَسَن السَّمتِ، وقورًا مَهِيْبًا، قَلِيل الكَلَام فيما لا يَعْنِيْه، وبالجُمْلَة فإنَّه - رحمه الله - من العُلَمَاء العَامِلِيْن الأفذاذ، الَّذِيْن يَجِبُ حفظ تَاريخ حَيَاتهم، وتُوُفِّي - رحمه الله - في السَّاعة الرَّابعة، ليلةَ الأحد المُوافق غُرَّة رجب، سنةَ ثَمان وسبعين وثلاث مئةٍ وألْف، عن إحدى وتسعيْن سنةً، وهي سِنُّ جَدِّه الشَّيخ محمَّد بن عَبْد الوَهَّاب رحمهم الله، وتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَةُ والده سنةَ ثمانٍ وثلاثين وثلاث مئةٍ وألْف.

وكتب فَضِيْلة الشَّيخ عُمَر بن حَسَن أخو المُتْرجم إلى الشَّيخ علي الهِنْدِيِّ تلمْيذ المُتَرْجَم بما ملخصه: هو رئيس قُضَاة الحَرَمَيْن الشَّرِيفَيْن ومُلْحَقَاتِهما على عَهْد الحُكُومة السُّعوديَّة، وُلِد في ثالث عَشَرَ رَجَب، سنةَ ١٢٨٧، وتُوُفِّي في ٨ رَجَب عام ١٣٧٨، وهو العَالِم النِّحْريرُ، والبَدْرُ المُنِيْر، الجامِعُ بين المَعْقُوْل