فيدعون لك. فقال: أستخير الله، فجعلوا يدخلون عليه أفواجًا، حتى تمتلئ الدار، فيسئلونه، ويدعون له، ثم يخرجون، ويدخل فوج آخر، وكثر الناس، وامتلأ الشارع، وأغلقنا باب الزقاق. وجاء رجل من جيراننا قد خَضَبَ فدخل عليه فقال: إنَّي لأرى الرَّجل يُحيي شيئًا من السُّنَّة فأفرحُ به، فدخل فجعل يدعو له ولجميع المسلمين. وجاء رجل فقال: تلطَّف لي بالإِذن عليه؛ فإني قد حضرتُ ضربه يوم الدار، وأريد أن أستحله. فقلت له: فأمْسَكَ. فلم أزل به حتى قال: أدخِله. فأدخلته، فقام بين يديه وجعل يبكي ويقول: أنا كنت ممن حضر ضربك، وقد أتيتك، فإن أحببت القِصَاص فأنا بين يديك، وإن رأيت أن تحلِّلَني فعلتَ. فقال: على أن لا تعود لمثل ذلك. قال: نعم. قال: قد جعلتك في حِلٍّ فخرج يبكي، وبكى من حضر من الناس.
وكان له في خُريقة قطيعات فإذا أراد الشيء أعطينا من يشتري له، فقال لي يوم الثلاثاء: انظر هل في خُريقتي شيء؟ فنظرت فإذا فيها دراهم. فقال: وجّه فاشترِ تمرًا وكفَّر عني كفَّارة يمين ففعلتُ، وبقي بعد ذلك ثلاثة دراهم. فأخبرته، فقال: الحمد لله. ثم قال: اقرأ عليَّ الوصية فقرأتها، فأقرّها. قال صالح: فلمَّا كان قبل وفاته بيومين قال: ادعوا الصِّبيان - بلسان ثقيل - فجعلوا ينضمُّون إليه، وهو يشمهم ويمسح بيده رؤوسهم، وعينه تدمع. فقيل له: لا تهتم لهم يا أبا عبد الله. فأشار بيده، فظننَّا أنَّ معناه: إني لم أرد هذا المعنى.
وكان يصلي قاعدًا، ويصلي وهو مضطجع، لا يكاد يفتر، ويرفع يديه في إيماء الركوع. وأدخلتُ الطَّستَ تحته فرأيت دمًا عبيطًا في بول، فقلت للطبيب، فقال: هذا رجل قد فتَّتَ الحزنُ والغمُّ جوفه. واشتدَّت به العلة يوم الخميس ووَضَّأتُه، فقال: خلِّل الأصابع، فلمَّا كانت الجُمُعَة وظننت أنَّه قد قبض، وأردنا أن نمدِّدَه، فجعل يقبض قدميه، وهو موجه، وجعلنا نلقنه ونقول: لا إله إلا الله، ونردِّدُ ذلك عليه، وهو يهلِّل، وتوجَّه إلى القِبْلة، واستقبلها بقدميه، فلما كان يوم الجمعه، اجتمع الناس حتى ملؤوا السكك والشوارع، فلما كان صدر النَّهار قُبِضَ، فصاح الناس، وعلت