للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن العماد (١): هو القدوة الفقيه، شيخ الحنابلة بالعراق قالًا وحالًا، وكان له صيت عظيم وحرمة تامة، أخذ عن المَرُّوذِي، وصحب سهل التستري، وصنف التصانيف وكان المخالفون يغلظون قلب الدولة عليه، فقبض على جماعة من أصحابه، واستتر هو في سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة. قاله في "العبر" (٢).

وقال القاضي ابن أبي يعلى (٣) وقد ذكر ما تقدم: قال البَرْبَهاري في "شرح السنّة": احذر صغار المحدثات من الأمور، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارًا، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيرًا، يشبه الحق، فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت وصارت دِينًا يُدان بها، يخالف الصراط المستقيم، وخرج من الإِسلام، فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر: هل تكلم فيه أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من العلماء، فإن أصبت فيه أثرًا عنهم فتمسك به، ولا تجاوزه بشيء، ولا تختر عليه شيئًا فتسقط في النار. واعلم رحمك الله أنه لا يتم إسلام عبد حتى يكون متبعًا مصدقًا مسلمًا، فمن زعم أنه قد بقي شيء من أمر الإِسلام لم يكفناه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كذبهم، وكفى بهذا فرقة وطعنًا عليهم، فهو مبتدع ضال مضل، محدث في الإِسلام ما ليس فيه. واعلم أن الكلام في الربِّ تعالى مُحْدَث، وهو بدعة وضلالة، لا يتكلم في الرب تعالى إلا بما وصف به نفسه في القرآن، وما بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه إلى آخر ما نقل عنه هناك.

ثم قال: وكانت له مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة، وكان المخالفون يغلّظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة تقدم ابن مقلة بالقبض عليه فاستتر، وقبض على جماعة من كبار أصحابه وحملوا إلى البصرة، فعاقب الله ابن مقلة على فعله ذلك بأن سخط عليه القاهر، ووقع له ما وقع، ثم تفضل


(١) شذرات الذهب: ٢/ ٣١٩ - ٣٢٣.
(٢) العبر: ٢/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٣) طبقات الحنابلة: ٢/ ١٨ - ٤٥.