للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

القرآن خلقٌ كثير، حتى بلغ عددُ من أقرأهم القرآن من العميان سبعين ألفًا. قال ابن النجَّار: هكذا رأيته بخطَّ أبي نصر اليُونَارتي الحافظ. وقد زعم بعض الناس، أن هذا كلام مستحيل، وأنه مِنْ سبق القلم، وإنما أراد سبعين نفسًا. وهذا كلامٌ سَاقِط، فإن أبا منصور قد تواتر عنه إقراء الخلق الكثير، في السِّنين الطَّويلة.

قال ابن الجوزي: أقرأ الخلق السنين الطويلة، وختم عليه القرآن ألوفٌ من النَّاس. وقال القاضي أبو الحسين: أقرأ بَضعًا وستين سنة، ولَقن أُمَمًا، وهذا مُوافق لما قاله أبو نصر، وهذا أمر مشهور عن أبي منصور. قال ابن الجوزي: كان أبو منصور من كبار الصالحين، الزاهدين المتعبِّدين. كان له وِرد بين العشاءَين، يقرأ فيه سُبْعًا من القرآن قائمًا وقاعدًا، حتى طعَنَ في السِّنِّ. وقال ابنُ ناصر عنه: كان شيخًا صالحًا، زاهدًا، صائمًا أكثر وقته، ذا كرامات ظهرت له بعد موته.

قال عبد الوهَّاب الأنماطي: توفي الشيخ الزاهد أبو منصور، في يوم الأربعاء، وقت الظُّهر، السَّادس عشر من المحرم، سنة تسع وتسعين وأربع مئة. قال ابنُ الجوزي: مات وسنّه سبعٌ وتسعون سنة، مُمَتَّعًا بسمعه وبصره وعقله. وحضر جنازتَه ما لا يُعَدّ من الناس. وحكى السِّلَفي: أنَّ يَهوديًّا استقبلَ جنازة الشَّيخ، فرأى كثرة الزِّحام والخَلْق، فقال: أشهد أن هذا الدَّين هو الحق، فأسلم. انتهى المراد منه.

وقال ابن الجَزَري في "الغاية" (١)، بعد كلام ابن النجار: إن الذي استبعد هذا العدد هو الذَّهبي، والذهبيُّ لا يزال يستبعد المُمْكِنَات، ويردُّ على الثقات. وهذا الرجل، أعني أبا منصور، كان منتصبًا للتَّلقين، منقطعًا إليه، وعمَّر طويلًا، ولا يخفى كيف كانت بغداد، وما كان بها من العَالَم. فهذه دمشق، أخبرني الشيخ الصَّالح إبراهيم الصُّوفي، الملقِّنُ بالجامع الأموي: إن الذين قرأوا عليه القرآن، نِّيفٌ عن العشرين ألفًا. انتهى.


(١) غاية النهاية: ٢/ ٧٤.