مولده ليلة ثامن ذي الحجة، سنة ثمانٍ وأربعين وخمس مئة، وسمع الحديث من جدِّه، وابن البَطِّي وشُهْدة وغيرهم، وقرأ وكتب وتفقَّه بجَدَّه، ودرَّس بمدرسة جدِّه، وكان حنبليًا، وولي عدة ولايات، وكان أديبًا كيِّسًا مطبوعًا، عارفًا بالمنطق، والفلسفة والتنجيم، وغير ذلك من العلوم الرديَّة، وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل، حتى قيل: إن والده رأى عليه يومًا ثوبًا بُخاريًا فقال: والله هذا عجب، ما زلنا نسمع البخاري ومسلم، فأما البخاري وكافر، فما سمعناه! وكان أبوه كثير المُجون والمداعبة كما تقدَّم في ترجمته، وكان عبد السلام هذا غير ضابطٍ للسانه، ولا مشكورًا في طريقته وسيرته، يُرمى بالفواحش والمنكرات.
وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس، فإنه كبس دار عبد السلام هذا، وأخرج منها كتبًا من كتب الفلاسفة، ورسائل إخوان الصفا، وكتب السحر والنارنجات، وعبادة النجوم، واستدعى ابنُ يونس العلماءَ والفقهاء، والقضاة والأعيان، وكان ابن الجوزي معه وقرئ في بعضها مخاطبة زحل: أيها الكوكب المضيء النَّيِّر أنت تدبر الأفلاك، وتحيي وتميت، وأنت الهَناء، ويقول في حق المريخ من هذا الجنس، وعبد السلام حاضر، فقال ابن يونس هذا خطك؟ قال: نعم، قال: لِمَ كتبته، قال: لأَرُدّ على قائله، فأمر بإحراق كتبه، فجلس قاضي القضاة والعلماء، وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة، وأضرموا نارًا عظيمةً تحت المسجد، وخرج الناس من الجامع، فوقفوا على طبقاتهم، والكتب على سطح المسجد، وقام أبو بكر بن المارسْتَانِية، فجعل يقرأ كتابًا كتابًا من مخاطبات الكواكب ونحوها، ويقول: العنوا مَنْ كتبه ومَنْ يعتقده، وعبد السلام حاضر، فتصيح العوام باللَّعن، فتعدى اللَّعن إلى الشيخ عبد القادر، بل وإلى الإِمام أحمد، وظهرت الأحقاد البَدْرية، ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام، ورُمي طيلسانهُ، وأُخرجت مدرسة جده من يده، ومن يد أبيه عبد الوهَّاب، وفوِّضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي. قال ابن القادسي بعد ذكر ذلك: ثم أودع عبد السلام الحبس مدةً، فلما أفرج عنه أخذ خطه، بأنه يشهد أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن الإِسلام حق وأن ما كان عليه باطل، وأُطلق، ثم لما قبض على