ولا تعرَّض لها، ولا نافس فيها، وكان يحترز في الفتاوى احترازًا كثيرًا، وكان كثير الورع والصدق، سمعته يقول لرجل: كيف ولدك؟ فقال الرجل: يُقَبِّل يدك، فقال: لا تكذب.
وكان كثير الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، خرج مرةً إلى قوم من الفُسَّاق، فكسر ما معهم، فضربوه، ونالوا منه حتى غُشي عليه، فأراد الوالي ضرب الذين نالوا منه، فقال: إن تابوا ولزموا الصلاة فلا تُؤذِهم، فإنهم في حِلِّ من قِبَلي، فتابوا ورجعوا عما كانوا عليه.
وسمعت الإِمام أبا إبراهيم محاسن بن عبد الملك التنوخي يقول: كان الشيخ العماد جوهرة العصر، وكان كثير التواضع يذمُّ نفسه ويقول: أيش يجيء منِّي، وكان يكثر في دعائه من قول: اللهم اجعل عملنا صالحًا، واجعله لوجهك الكريم خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا، اللهم خلِّصني من مظالم نفسي، ومظالم كلِّ شيء قبل الموت، ولا تُمتني ولأَحَدٍ عليَّ مظلمةٌ يَطلُبني بها بعد الموت، ولا بدَّ من الموت، فاجعله على توبةٍ نصوحٍ بعد الإِخلاص من مظالم نفسي، ومظالم العباد، قتلًا في سبيلك، على سنّتك وسنّة رسولك، شهادةً يغبطني بها الأولون والآخرون، واجعل النَّقْلة إلى رَوْحٍ وريحان في جنات النَّعيم، ولا تجعلها إلى نُزُلٍ من حميم، وتَصْلِيَةِ جحِيم.
قال الضياء: وتوفي رحمه الله ليلة الخميس، وقت العشاء الآخرة، وكان قد صلى تلك الليلة المغرب بالجامع، ثم مضى إلى بيته وكان صائمًا، فأفطر على شيءٍ يسير، ولما جاءه الموت جعل يقول: يا حيُّ يا قيوم، برحمتك أسْتغيثُ، واستقبل القِبْلة، وتشهَّد، ومات.
وقال سِبْط ابن الجوزي: غُسِّل وقت السَّحر، وأخرجت جنازته إلى جامع دمشق، فما وسع الناس الجامع، وصلَّى عليه الموفَّق بحلقة الحنابلة بعد جهدٍ جهيدٍ، وكان يومًا لم يرَ الناسُ مثله في الإِسلام، كان أول الناس عند مغارة الدم، ورأس الجبل إلى الكهف، وآخرهم بباب الفراديس، وما وصل إلى الجبل إلى آخر النهار،