لخصتُ منها ما تَقَرُّ به عيونُ محبِّيه، وتَثْلُجُ به صدورُ متَّبعيه، ويشكرني على ذلك من اتَّبع غيره في الفروع والأصول، فإنَّ كل علماء التحقيق على اختلاف مذاهبهم في الأصول تدعيه، ثم أُتبعها بتراجم مَن رَوى عنه على الإِطلاق، ثم أذكر الحنابلة منهم في كل ترجمة، وهم الطبقة الأولى، ثم أذكر الحنابلة الذين اتَّبعوه في الأصول والفروع من هذه الطبقة منفردين لتمييزهم عن غيرهم، ورتَّبت هذه الطبقة على الحروف تابعًا في ذلك للنابلسي في "مختصره لطبقات ابن أبي يعلى"، ثم أتبعهم بالحنابلة خاصة ممن بعدهم إلى منتهى القرن الثالث عشر، مؤثرًا في ذلك كله للاختصار؛ لكون طِباع أهل العصر تألفه في جميع الأقطار.
والله أسأل، وبه أتوسل أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم، موجبًا لفوزي في جنات النعيم، ولعلي أتيت بعمل يشكرني عليه أهل الإِنصاف، لا مَنْ أراد المكابرة والاعتساف.
وإني أرجو من رأى هذا الكتاب أن ينظر إليه بعين الإِصلاح لا بتفقد العثرات، وأن يغض عمَّا يراه من الهفوات والزلَّات، فَمَنْ ذا الذي ما ساء قط؟ ومَنْ له الحسنى فقط؟.
ولقد أسهرت بهذا العمل ليلي والناس نيام، حتى نلت إن شاء الله من ذلك المرام.
ولم أجد وقت تأليفه ما أستعين به على هذا العمل الشاق إلا "مختصر طبقات ابن أبي يعلى" الذي اختصره العلَّامة محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي المتوفى سنة سبع وتسعين وسبع مئة - فوجدته لا يشفي عليلًا، ولا يروي غليلًا؛ لكونه لم يستقص، بل ما فاته أكثر من الذين ذكرهم، ولكونه يطيل بذكر روايات المترجمين، ولم يحرر تراجمهم كما ينبغي بل كما هو الشرط لهذا الفن والغاية له.
ورأيت أيضًا "مختصرًا" لمحمد جميل الشطي الحنبلي المتوفى في القرن الرابع عشر، فوجدته الدرة المفقودة، والضالَّة المنشودة، غير أنه لا يذكر إلا المشهورين فقط.