وست مئة، بقرية من قُرى البَصرة، وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دُوَيْرَة، وحفظ "الخِرَقي"، وكُفَّ بَصَرُه سنة أربع وثلاثين، وسمعَ بالبَصرة من ابن دُوَيْرَة المذكور، وقدم بغداد، وحفظ بها كتاب "الهداية" لأبي الخطاب، ولازم الاشتغال، وأفتى سنةَ ثمانٍ وأربعين، وسمعَ من المجد ابن تَيْمِيَة وغيره، وكان بارعًا في الفقه، له معرفةٌ بالحديث والتفسير، ولمَّا توفي شيخُه ابنُ دُوَيْرَة بالبَصرة، وليَ التدريسَ بمدرسةِ شيخِهِ، وخُلِعَ عليه ببغداد خِلْعَةٌ، وأُلْبسَ الطَّرْحَةَ السوداءَ في خلافة المُسْتَعْصِم بعد سنة اثنتين وخمسين، وذكر ابنُ الساعِي أَنَّه لم يلبس الطَّرْحَةَ أعمى بعد أبي طالب بن الخل سوى الشيخ نور الدين هذا، ثم بعد واقعة بغداد طُلب إليها لِيُوَلَّى تدريسَ الحنابلةِ بالمُستنصرية فلم يتفق، وتقدم الشيخَ جلال الدين بن عكبر، فرتبَ الشيخُ نورُ الدين مدرسًا بالبشيرية، وله تصانيفُ عِدَّةٌ، وتفقه عليه جماعةٌ منهم صفيُّ الدين عبد المؤمن، وقال عنه: كان شيخُنا من العلماء المجتهدين، والفقهاء المنفردين، وكان له فطنةٌ عظيمةٌ، ونادرةٌ عجيبةٌ، منها ما حكى محمدُ بنُ إبراهيم الخالدي وكان ملازمًا للشيخ نور الدين حتَّى زَوَّجَهُ الشيخُ ابنَتَه، قال: عقد مجلسٌ بالمستنصِرية مَرَّةً للمظالم وحضره الأعيان، فاتَّفقَ جلوسُ الشيخ إلى جانب بهاءِ الدين بنِ الفخر عيسى كاتبِ ديوان الإِنشاء، وتكلم الجماعةُ فبرَزَ الشيخ نورُ الدين عليهم بالبحث، ورجع إلى قوله، فقال له ابن الفخر عيسى: من أين الشيخ؟ قال: من البَصرة، قال: والمذهب؟ قال: حنبلي، قال: عَجَبٌ! بَصْرِيٌّ حنبلي؟ فقال الشيح: هنا أعجبُ من هذا كردي رافضي، فخجل ابنُ الفخر، وكان كرديًا رافضيًا، والرَّفْضُ من الأكراد معدومٌ أو نادرٌ.
وتوفي الشيخُ نورُ الدين ليلة السبت ليلة عيدِ الفطر سنة أربعٍ وثمانين وست مئة، ودُفِنَ قرب الإِمام أحمد انتهى.
وذكره ابنُ رجب (١) وأطال في ترجمته والصفدي في "نكت الهميان"، وقال: لَقَبُهُ نورُ الدين، وكنيته أبو طالب، وله مصنفاتٌ كثيرةٌ، ذكرَ ابنُ العماد، وابنُ رجب