للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتدرون ما البُردة (١)؟ قالوا: الشَّمْلة (٢)، قال: نعم، قالت: نسجتها بيدي، فجئت لأكْسَوَكَها، فأخذها النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محتاجاً إِليها، فخرج إِلينا وإنها إِزاره، فحسّنها فلان، فقال: اكسُنيها ما أحسنها!

قال القوم: ما أحسنت، لبسها النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحتاجاً إِليها ثمّ سألته وعلمت أنه لا يرُدُّ! قال: إِني -والله- ما سألته لألبسها، إِنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه".

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخلت على أبي بكر -رضي الله عنه- فقال: في كم كفَّنْتم النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيضٍ سَحولية (٣)؛ ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أيّ يوم توفّي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قالت: يومَ الاثنين. قال: فأيّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين. قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إِلى ثوب عليه كان يُمرَّض فيه، به رَدْعٌ (٤) من زعفران؛ فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفّنوني فيهما. قلت: إِنّ هذا خَلَق! قال: إِن الحيّ أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمُهْلة (٥)، فلم يُتوفَّ حتى


(١) و (٢) البُردة: كساء أسود مربّع، يلبسه الأعراب. والشملة: كساء يُشتمل به. قاله الكرماني. وجاء في "الفتح" (٣/ ١٤٣): "وفي تفسير البردة بالشملة تجوُّز؛ لأن البردة كساء والشملة ما يشتمل به؛ فهي أعمّ، لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها؛ أطلقوا عليها اسمها".
(٣) منسوبة إِلى سَحُول -بفتح المهملة وضمّها- قرية باليمن. قاله الكرماني.
(٤) الرَّدعْ: هو لَطْخ وأثر لم يعمّه كلّه: ملتقطاً من "شرح الكرماني" و"الفتح".
(٥) المُهْلة؛ أي: القيح والصديد الذي يذوب فيسيل من الجسد. "النهاية".

<<  <  ج: ص:  >  >>