قلت: والمترجّح لديّ أنّه مِن باب القِصاص، وقد رواه الإِمام البخاري -رحمه الله- في مواطن عديدة؛ منها باب الدِّيات، فدلّ هذا على أنه يراه من باب القِصاص ولا يمتنع عليه هذا الفعل؛ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما وصَفَه الله -سبحانه-: {وما ينطق عن الهوى إِنْ هُوَ إِلاّ وحْيٌ يوحى}.
وتركُه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العفو في هذا الموطن -وهو قادرٌ عليه بلا ريب- يؤيّد الأصل العامّ -ألا وهو القِصاص- وهذا كما لا يخفى من باب التشريع للأمّة.
وأما قول مَن قال إِنه تأديب وليس قِصاصاً، فلعل الأَوْلى أن يقول القائل: تأديبٌ بالقِصاص. والله -تعالى- أعلم.
هل يشرع القِصاص في إِتلاف الأموال؟
إِذا أتلف المرء مال غيره؛ كأن يخرق ثوبه أو يهدم داره، أو يقطع ثمره، فهل له أن يقتصّ منه؛ بمثِل ما أصابه فيه قولان للعلماء:
أحدهما: أن ذلك غيرُ مشروع لإِنه إِفساد، ولأنّ العقار والثيابَ غيرُ مماثلة.
والثاني: أن ذلك مشروع؛ كما سيأتي البيان والتعليل بإِذن الله.
جاء في "مجموع الفتاوى"(٣٠/ ٣٣٢): "وسئل -رحمه الله- هل يجوز له أن يَخرق ثَوبه كما يخرِق ثوبه؟
فأجاب: وأمّا القِصاص في إِتلاف الأموال؛ مِثل أن يخرق ثوبه فيخرق ثوبه المماثل له، أو يهدم داره فيهدم داره ونحو ذلك؛ فهذا فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد: