قال شيخنا -حفظه الله- بعد أن ذكَر عدداً من الأحاديث في الموضوع:" ... دلّت الأحاديث المتقدّمة على أنَّ صلاة السفر أصلٌ بنفسها وأنّها ليست مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم، فهي في ذلك كصلاة العيدين ونحوها؛ كما قال عمر -رضي الله عنه-: "صلاة السفر وصلاة الفطر وصلاة الأضحى؛ وصلاة الجمعة؛ ركعتان تمامٌ غير قصر على لسان نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (١)
وذلك هو الذي رجّحه الحافظ في "فتح الباري" بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر، ودليل كلٍّ فقال (١/ ٤٦٤): "والذي يظهر لي -وبه تجتمع الأدلّة السابقة- أنَّ الصلوات فُرضت ليلة الإِسراء ركعتين ركعتين إلاَّ المغرب، ثمَّ زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلاَّ الصبح، ... ثمَّ بعد أن استقر فرْض الرباعية؛ خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهي قوله تعالى:{فليس عليكم جناح أن تقصُروا من الصلاة}، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في "شرح المسند": أنّ قصر الصلاة كان في السَّنَة الرابعة من الهجرة ... ".
[مسافة القصر]
لقد كثُرت أقوال العلماء في تحديد المسافة التي تقصر فيها الصلاة والراجح "أنّه لا حدّ لذلك أصلاً، إلاَّ ما سُمّي سفراً في لغة العرب التي بها خاطبهم عليه السلام، إِذ لو كان لمقدار السفر حدّ غير ما ذكَرنا لما أغفل عليه السلام بيانه البته، ولا أغفلوا هم سؤاله عليه السلام عنه، ولا اتفقوا على
(١) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"، وهو مخرّج في "الإِرواء" (٦٣٨).