هم في البنيان أحقّ بالعقوبة منهم في الصَّحراء؛ لأنَّ البنيان محلّ الأمن والطمأنينة، ولأنَّه محل تناصر الناس وتعاونهم، فإِقْدامهم عليه يقتضي شدَّة المحاربة والمغالبة؛ ولأنَّهم يسلبون الرجل في داره جميع ماله، والمسافر لا يكون معه غالباً إِلا بعض ماله، وهذا هو الصَّواب".
والذي يترجَّح لديَّ عدم التَّفريق بين الصحراء والبنيان؛ لعموم الآية المتناولة كل محارب في أيّ مكان، فقطع الطَّريق وسفْك الدِّماء وسلْب الأموال وهتْك الأعراض واقعٌ في الصَّحراء والبُنْيان، والأودية والجبال.
[هل تشترط المجاهرة؟]
ومِن شروط الحرابة عند بعض الفقهاء المجاهرة، بأن يأخذوا المال جهراً، فإِنْ أخذوه مختفين، فهم سُرَّاق، وإِنْ اختطفوه وهربوا، فهم منتهبون لا قطْع عليهم، وكذلك إنْ خَرَجَ الواحد والاثنان على آخر قافلة، فسلبوا منها شيئاً؛ لأنَّهم لا يرجعون إِلى منعة وقوَّة، وإِنْ خرجوا على عدد يسير فقهروهم، فهم قُطّاع طريق. وهذا مذهب الأحناف، والشافعيَّة، والحنابلة. وخالف في ذلك المالكيَّة، والظَّاهريَّة.
قال ابن العربي المالكي: والذي نختاره، أنَّ الحرابة عامّة في المصر والقفر، وإِن كان بعضها أفحش من بعض، ولكن اسم الحرابة يتناولها، ومعنى الحرابة موجود فيها، ولو خَرج بعصاً في المصر يُقْتَلُ بالسَّيف، ويُؤخَذُ فيه بأشدّ من ذلك، لا بأيسره؛ فإِنَّه سلبَ غيلةً، وفِعْل الغيلة أقبح من فِعل المجاهرة.
ولذلك دخل العفو في قتل المجاهرة، فكان قِصاصاً، ولم يدخل في قتل الغيلة، فكان حرابة، فتحرر أنَّ قطع السبيل موجب للقتل.