للمسلمين، قَتله وإن كان استبقاؤه أصلح استبقاه، والله أعلم".
وأشار إلى هذا شيخنا -رحمه الله- في "التعليقات الرضيّة" (٣/ ٤٧٧).
قلت: والذي يبدو لي أنّ هذا يتعلّق بدراسةِ سببِ فِعْل هذا الجاسوس، والنظر فيما إذا كانت ثمّه قرائن تدلّ على توبته، ففي قصة حاطب -رضي الله عنه- ظَهَر سبب انجراره إلى هذا الفعل، وهو اتخاذ أسباب الحماية من قِبَل أقاربه، وتصريحه أنّه لم يكن لكُفرٍ أو ارتداد، ثمّ ما كان مِن قولِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لعلّ الله أن يكون قد اطّلعَ على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرْتُ لكم".
فالأمر متعلِّق بالتوفيق للتوبة المستجلِبة للمغفرة، والأمر يعود إلى الإمام فيما يترجّح لديه مِن حال هذا الجاسوس مِن هذا الجانب، والنظر كذلك فيما يتعلَّق بمصلحة المسلمين، سواءٌكان ذلك في القتل أو عدمه والله -تعالى- أعلم.
من قفز من عسكر المسلمين إلى عسكر الكُفّار
جاء في "مجموع الفتاوى" (٢٨/ ٥٣٤): "فمن قفَز عنهم إلى التتار كان أحقَّ بالقتال مِنْ كثيرٍ من التتار؛ فإنَّ التتار فيهم المُكْرَه وغيرُ المكْرَه، وقد استقرَّت السُّنَّة بأنَّ عقوبةَ المرتدّ أعظمُ مِن عقوبة الكافر الأصلي مِن وجوهٍ متعددة.
منها أنَّ المرتدَّ يُقتَل بكل حال، ولا يُضرَب عليه جزية، ولا تُعقَد له ذِمَّة؛ بخلاف الكافر الأصلي.
ومنها أنَّ المرتد يُقتل -وإنْ كان عاجزاً عن القتال-؛ بخلاف الكافر الأصليّ الذي ليس هو مِن أهل القتال، فإنّه لا يُقتَل عند أكثر العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد؛ ولهذا كان مذهب الجمهور أن المرتدَّ يُقتَل؛ كما هو مذهب مالك والشافعي وأحمد.