للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متحمِّلاً الصِّعاب راغباً في المغفرة والثواب، وربما يحظى بعفو أصحاب الحقوق. والله -تعالى- أعلم.

سُقوطُ الحدود بالتَّوبة قبْل رَفْعِ الجناة إِلى الحاكم:

*تقدَّم أنَّ حدَّ الحرابة يَسْقُط عن المحاربين إِذا تابوا، قبل القدرة عليهم؛ لقول الله -سبحانه-: {إِلا الذينَ تَابُوا منْ قَبْلِ أنْ تَقْدرُوا عَلَيْهِم فَاعْلَمُوا أنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١).

وليس هذا الحُكم مقصوراً على حدّ الحرابة، بل هو حُكْمٌ عام ينتظم جميع الحدود، فمن ارتكب جريمة تستوجب الحدّ، ثمَّ تاب منها، قبل أنْ يُرفع إِلى الإِمام، سَقَط عنه الحد؛ لأنَّه إِذا سقط الحدّ عن هؤلاء، فأولى أن يسقط عن غيرهم، وهُم أخفُّ جرماً منهم.

وقد رجَّح ذلك شيخ الإِسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقال: ومن تاب من الزِّنى، والسرقة، وشُرب الخمر، قبل أن يُرفع إِلى الإمام، فالصحيح، أنَّ الحدَّ يسقط عنه، كما يسقط عن المحاربين، إِجماعاً، إِذا تابوا قبل القُدرة عليهم.

وقال القرطبي: فأمَّا الشُّراب، والزُّناة، والسُّرّاق، إِذا تابوا وأصلحوا، وعُرِف ذلك منهم، ثُمَّ رُفعوا إِلى الإِمام، فلا ينبغي أنْ يُحَدُّوا، وإن رُفِعوا إِليه، فقالوا: تُبْنا. لم يُتركوا، وهم في هذا الحال كالمحاربين إذا غُلبوا* (٢).

قلت: ويؤيِّد ما قاله القرطبي -رحمه الله تعالى- ما تقدَّم من إِعراض النبي


(١) المائدة: ٣٤.
(٢) ما بين نجمتين من "فقه السنة" (٣/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>