للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن ذلك غيرُ مشروع لإِنه إِفساد، ولأنّ العقار والثيابَ غيرُ مماثلة.

والثاني: أن ذلك مشروع؛ لأنّ الأنفس والأطراف أعظمُ قدْراً من الأموال، وإِذا جاز إِتلافها على سبيلْ القِصاص؛ لأجل استيفاء المظلوم، فالأموال أولى.

ولهذا يجوز لنا أن نُفسد أموال أهل الحرب إِذا أفسدوا أموالنا، كقطع الشجر المثمِر.

وإِن قيل بالمنعِ من ذلك لغير حاجة، فهذا فيه نزاع؛ فإِنه إِذا أتلف لى ثياباً أو حيواناً أو عقاراً ونحو ذلك، فهل يضمنه بالقيمة؟ أو يضمنه بجنسه مع القيمة؟ على قولين معروفين للعلماء. وهما قولان في مذهب الشافعي، وأحمد فإِن الشافعي قد نَصّ على أنه إِذا هَدَم داره بناها كما كانت، فضَمِنَه بالمثل. وقد رُوي عنه في الحيوان نحو ذلك ...

وقصة داود وسليمان هي من هذا الباب، فإِنّ داود -عليه السلام- قد ضَمِن أهل الحرث الذي نفشت (١) فيه غَنَم القوم بالقيمة، وأعطاهم الماشية مكان القيمة. وسليمان -عليه السلام- أمَرَهم أن يعمروا الحرث حتى يعود كما كان، وينتفعوا بالماشية بدل ما فاتهم من منفعة الحرث.

وبهذا أفتى الزهري لعمر بن عبد العزيز لما كان قد اعتدى بعض بني أميّة على بستان له فقلعوه، وسألوه ما يجب في ذلك؟ فقال: يغرسه كما كان. فقيل له: إِن ربيعة وأبا الزناد قالا: تجب القيمة، فتكلَّم الزهري فيهما بكلام مضمونه: أنهما خالفا السنة.


(١) النَّفش: الرعي، قال شريح والزهري وقتادة: النفش لا يكون إلاَّ بالليل. قاله ابن كثير -رحمه الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>