للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا غير ذلك؛ هذا مذهب الأئمة الأربعة، وهو المأثور عن السلف من الصحابة والتابعين، ولا أعلم فيه مخالفاً؛ بل قد روي عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنّه نهى أن يتبع بصوت أو نار: رواه أبو داود (١).

وسمع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- رجلاً يقول في جنازة: استغفروا لأخيكم. فقال ابن عمر: لا غفر الله بعد!

وقال قيس بن عُبَاد -وهو من أكابر التابعين من أصحاب علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: كانوا يستحبون خفض الصوت عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.

وقد اتفق أهل العلم بالحديث والآثار أنّ هذا لم يكن على عهد القرون الثلاثة المفضلة.

وأما قول السائل: إِن هذا قد صار إِجماعاً من الناس! فليس كذلك؛ بل ما زال في المسلمين من يكره ذلك، وما زالت جنائز كثيرة تخرج بغير هذا في عدة أمصار من أمصار المسلمين.

وأما كون أهل بلد -أو بلدين أو عشر- تعوَّدوا ذلك؛ فليس هذا بإِجماع؛ بل أهل مدينة النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التي نزل فيها القرآن والسنة -وهي دار الهجرة، والنصرة، والإِيمان، والعلم- لم يكونوا يفعلون ذلك؛ بل لو اتفقوا في مثل زمن مالك وشيوخه على شيء، ولم ينقلوه عن النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أو خلفائه؛ لم يكن


(١) قال شيخنا -رحمه الله- في "أحكام الجنائز" (ص ٩١): "أخرجه أبو داود [انظر "ضعيف أبي داود" (٦٩٦)]، وأحمد من حديث أبي هريرة، وفي سنده من لم يسمّ، لكنّه يتقوى بشواهده المرفوعة وبعض الآثار الموقوفة ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>