الثالث: عن عبد الرحمن بن جَوْشَنٍ قال: "كنت في جنازة عبد الرحمن بن سَمُرَةَ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير، ثمّ يقولون: رويداً رويداً بارك الله فيكم!!
فلحِقهم أبو بكرة في بعض سِكَكِ المدينة، فحمل عليهم بالبَغْلَةِ، وشدّ عليهم بالسّوط، وقال: خلُّوا! والذي أكرم وجه أبي القاسم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لقد رأيتنا على عهد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنكاد أن نَرْمُلَ بها رَمَلاً" (١).
قال شيخنا -رحمه الله-: ظاهر الأمر الوجوب [أي: الإِسراع بالجنازة]، وبه قال ابن حزم (٥/ ١٥٤ - ١٥٥)، ولم نجد دليلاً يصرفه إِلى الاستحباب، فوقفنا عنده، وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "وأمّا دبيب الناس اليوم خطوة خطوة؛ فبدعة مكروهة، مخالفة للسنّة، ومتضمّنة للتشبّه بأهل الكتاب اليهود" ... " انتهى.
وجاء في "الروضة الندية" (١/ ٤٣٠): "والحق: هو القصد في المشي، فالأحاديث المصرحة بمشروعية الإِسراع؛ ليس المراد بها الإِفراطَ في المشي الخارج عن حد الاعتدال، والأحاديث التي فيها الإِرشاد إِلى القصد؛ ليس المراد بها الإِفراطَ في البُطْءِ، فيجمع بين الأحاديث بسلوك طريقة وسطى بين الإِفراط والتفريط؛ يصدق عليها أنه إِسراع بالنسبة إِلى الإِفراط في البطء، وأنها قصد بالنسبة إِلى الإِفراط في الإِسراع، فيكون المشروع دون الخبب، وفوق المشي الذي يفعله من يمشي في غير مهم".
(١) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود" (٢٧٢٥)، والنسائي "صحيح سنن النسائي" (١٨٠٥) وغيرهما.