وبدليل ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"إِذا مرض الرجل في رمضان، ثمّ مات ولم يصم؛ أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه"(١).
قال شيخنا -رحمه الله- (ص ٢١٥): "وهذا التفصيل الذي ذهبَت إِليه أم المؤمنين، وحَبْر الأمّة ابن عباس -رضي الله عنهما- وتابعهما إِمام السنّة أحمد ابن حنبل: هو الذي تطمئن إِليه النفس، وينشرح له الصدر، وهو أعدل الأقوال في هذه المسألة وأوسطها، وفيه إِعمال لجميع الأحاديث؛ دون ردٍّ لأيّ واحد منها، مع الفهم الصحيح لها؛ خاصة الحديث الأول منها، فلم تفهم منه أم المؤمنين ذلك الإِطلاق الشامل لصوم رمضان، وهي رَاوِيتُهُ، ومن المقرر أنّ راوي الحديث أدرى بمعنى ما روى، لا سيّما إِذا كان ما فَهِمَ هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها، كما هو الشأن هنا.
وقد بيّن ذلك المُحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى- فقال في "إِعلام الموقعين" (٣/ ٥٥٤) -بعد أن ذكر الحديث وصححه-: "فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه، وقالت: يُصام عنه النذر والفرض! وأبت طائفة ذلك، وقالت: لا يُصام عنه نذر ولا فرض! وفصّلت طائفة؛ فقالت: يُصام عنه النذر دون الفرض الأصلي.
وهذا قول ابن عباس وأصحابه، وهو الصحيح؛ لأنّ فرض الصيام جارٍ مجرى الصلاة، فكما لا يُصلي أحد عن أحد، ولا يُسْلِمُ أحد عن أحد، فكذلك
(١) أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم، وصحح إِسناده.