للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعم؛ كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحبُّ نِساءه، وكان أحبهنّ إِليه عائشة -رضي الله عنها- ولم تكن تبلُغُ محبتُه -لها ولا لأحد سوى ربه- نهايةَ الحبّ.

وعِشق الصور إِنما تُبتلى به القلوب الفارغة من محبة الله -تعالى-، المُعرضة عنه، المتعوّضة بغيره عنه، فإِذا امتلأ القلب من محبة الله والشوق إِلى لقائه، دفع ذلك عنه مَرَضَ عِشْق الصور، ولهذا قال -تعالى- في حقّ يوسف: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إِنّه من عبادنا المُخلَصين} (١)، فدل على أن الإِخلاص سبب لدفع العشق؛ وما يترتّب عليه من السوء والفحشاء التي هي ثمرته ونتيجته، فصرف المسبَّب صرف لسَبَبِهِ، ولهذا قال بعض السلف: العشق حركة قلب فارغ، يعني: فارغاً مما سوى معشوقه. قال -تعالى-: {وأصبح فؤاد أمّ موسى فارغاً إِن كادت لتبدي به} (٢) أي: فارغاً من كل شيء إِلا من موسى؛ لِفَرْطِ محبتها له، وتعلّق قلبها به.

والمحبة أنواع متعددة: فأفضلها وأجلها: المحبة في الله ولله، وهي تستلزم محبة ما أحبّ الله، وتستلزم محبة الله ورسوله.

ومنها: محبة الاتفاق في طريقةٍ، أو دينٍ، أو مذهب، أو نِحلة، أو قرابة، أو صناعة، أو مرادٍ ما.

ومنها: محبة لنيل غرض من المحبوب، إِمّا مِن جاهه أو من ماله أو مِن تعليمه وإرشاده، أو قضاء وَطَرٍ منه، وهذه هي المحبة العَرَضِيَّةُ التي تزول بزوال مُوجِبِها، فإِنَّ مَنْ ودَّك لأمرٍ ولّى عنك عند انقضائه.


(١) يوسف: ٢٤.
(٢) القصص: ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>