للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لعْن المحلّل: مرويٌّ من طريق جماعة من الصحابة بأسانيد بعضها صحيح، وبعضها حسن، واللعن لا يكون إِلا على أمر غير جائز في الشريعة المطهرة، بل على ذنب هو من أشد الذنوب. فالتحليل غير جائز في الشرع، ولو كان جائزاً لم يلعن فاعله والراضي به. وإذا كان لعْن الفاعل لا يدل على تحريم فِعْله؛ لم تبق صيغة تدل على التحريم قطّ، وإذا كان هذا الفعل حراماً غير جائز في الشريعة؛ فليس هو النكاح الذي ذكَره الله في قوله: {حتى تَنْكِحَ زوجاً غيره} (١)، كما أنه لو قال: لعَن الله بائع الخمر، لم يلزم من لفظ: (بائع) أنه قد جاز بيعه، وصار من البيع الذي أَذِن فيه بقوله: {وأحلَّ اللهُ البيعَ} (٢). والأمر ظاهر.

قال ابن القيم: ونكاح المحلّل لم يُبَح في مِلّة من المِلَل قطّ، ولم يفعله أحد من الصحابة، ولا أفتى به واحد منهم. ثمّ سَلْ من له أدنى اطلاع على أحوال الناس: كم من حُرَّة مصونة، أنشب فيها المحلل مخالب إِرادته؛ فصارت له بعد الطلاق من الأخدان. وكان بعلها منفرداً بوطئها، فإِذا هو والمحلل ببركة التحليل شريكان! فلعمر الله كم أخرج التحليل مخَدَّرةً من سترها إِلى البغاء، ولولا التحليل لكان منال الثريا دون منالها، والتدرع بالأكفان دون التدرع بجمالها، وعناق القنا دون عناقها، والأخذ بذراع الأسد دون الأخذ بساقها. وأمّا هذه الأزمان التي شَكَتِ الفروجُ فيها إِلى ربها من مفسدة التحليل، وقُبح ما يرتكبه المحلِّلون، مما هو رمد -بل عمَى- في عين الدين، وَشَجاً في حلوق المؤمنين، من


(١) البقرة: ٢٣٠.
(٢) البقرة: ٢٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>