فجعل النّبيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما يستحل به الفروج من الشروط أحق بالوفاء من غيره، وهذا نص في مِثل هذه الشروط؛ إِذ ليس هناك شرط يُوفّى به بالإِجماع غير الصَّداق والكلام. فتعيَّن أن تكون هي هذه الشروط.
وأمّا شرط مُقامِ ولدِها عندها، ونفقته عليه؛ فهذا مِثل الزيادة في الصَّداق، والصّداق يحتمل من الجهالة فيه -في المنصوص عن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك- ما لا يحتمل في الثمن والأجرة. وكل جهالة تنقص على جهالة مهر المثل تكون أحق بالجواز؛ لا سيما مثل هذا يجوز في الإِجارة ونحوها في مذهب أحمد وغيره: إِن استأجر الأجير بطعامه وكسوته، ويُرْجَعُ في ذلك إِلى العرف، فكذلك اشتراط النفقة على ولدها يُرْجَعُ فيه إِلى العرف بطريق الأولى.
ومتى لم يُوفِ لها بهذه الشروط فتزوج، وتسرّى، فلها فسْخ النكاح، لكن في توقُّف ذلك على الحاكم نزاع؛ لكونه خياراً مجتهداً فيه، كخيار العنّة والعيوب؛ إِذ فيه خلاف ... " (١).
وجاء (ص ١٦٧) منه: "وسئل شيخ الإِسلام -رحمه الله- عن رجل تزوج بنتاً عمرها عشر سنين، واشترط عليه أهلها أنه يسكن عندهم، ولا ينقلها عنهم، ولا يدخل عليها إِلا بعد سنة، فأخذها إِليه، واختلف ذلك، ودخل عليها، وذكر الدايات: أنه نقلها، ثمّ سكن بها في مكان يضربها فيه الضَّرْبَ المُبرِّح، ثمّ بعد ذلك سافر بها، ثمّ حضر بها، ومنع أن يدخل أهلها عليها مع مداومته على ضرْبها: فهل يحل أن تدوم معه على هذا الحال؟
(١) وانظر للمزيد -إن شئت- فيما يتعلق بالشروط في "الفتاوى" (٢٩/ ١٧٥ - ١٧٦) و (٢٩/ ٣٥٠ - ٣٥٤) و (٣٢/ ١٦٩ - ١٧٠).