وأيضاً، فإِن قوله:"قد استعجلوا" يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم يكن، فرأى الخليفة الراشد أن يمضيه عليهم ثلاثاً من باب التعزير لهم والتأديب، فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر وأول خلافة عمر، من أجل رأيٍ بدا لعمر واجتهد فيه، فيؤخذ باجتهاده، ويترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعاً لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر؟!
اللهم إِن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإِسلامي، فرجوعاً إِلى السنة المحكمة أيها العلماء، لا سيما وقد كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن كثرة مدهشة تنذر بِشرٍّ مستطير تصاب به مئات العائلات.
وأنَا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإِسلامية كمصر وسوريا قد أدخَلت هذا الحكم في محاكمها الشرعية، ولكن من المؤسف أن أقول: إِن الذين أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إِحياء السنة، وإِنما تقليداً منهم لرأي ابن تيميَّة -رحمه الله- الموافق لهذا الحديث، أي إِنهم أخذوا برأيه لا لأنه مدعم بالحديث، بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا، ولذلك فإِنَّ جلّ هؤلاء الفقهاء لا يُدَعِّمون أقوالهم واختياراتهم التي يختارونها اليوم بالسنة، لأنهم لا عِلم لهم بها، بل قد استغنوا عن ذلك بالاعتماد على آرائهم، التي بها يحكمون، وإليها يرجعون في تقدير المصلحة التي بها يستجيزون لأنفسهم أن يغيروا الحكم الذي كانوا بالأمس القريب به يدينون الله -تعالى- كمسألة الطلاق هذه.